ثم لما ذكر اللّه هذه الحادثة أعقبها ببيان وظيفة الرسول وعمله وأن هذه الرسالة التي أرسل بها الرسول ليست محتاجة إلى حيلة ولا موعظة، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وعلى ذلك فلست أيها الرسول في حاجة إلى الإلحاح على هؤلاء ليؤمنوا. (١)
التفسير والبيان :
عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى أي قطب النبي - ﷺ - وجهه، وأعرض، لأن جاءه الأعمى وقطع كلامه، وهو عبد اللّه بن أم مكتوم، فكره رسول اللّه - ﷺ - أن يقطع عليه ابن أم مكتوم كلامه، فأعرض عنه، فنزلت.
وعذر ابن أم مكتوم أنه لم يدر بتشاغل النبي - ﷺ -.
وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى ؟ أي وما يعلمك ويعرفك يا محمد لعل الأعمى يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح بسبب ما يتعلمه منك، أو يتذكر فيتعظ بما تعلمه من المواعظ، فتنفعه الموعظة.
وفي هذا إيماء إلى أن غير الأعمى ممن تصدى لتزكيتهم وتذكيرهم من المشركين لا يرجى منهم الهداية. وفيه تعظيم من اللّه سبحانه لابن أم مكتوم.
وكان هذا التصرف من النبي - ﷺ - بمثابة ترك الاحتياط وترك الأفضل، فلم يكن ذلك ذنبا البتة، ولا مصادما لمبدأ عصمة الأنبياء، لصدور الفعل عن أمر تابع للجبلّة الإنسانية كالرضا والغضب والضحك والبكاء، والتي رفع عنها التكليف في شريعة الإسلام.
وبعد هذا الوصف المؤذن بالعتاب جاء العتاب صريحا في قوله تعالى :
١- أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى أي أما من استغنى بماله وثروته وقوته عما لديك من معارف القرآن والهداية الإلهية، وعن الإيمان والعلم، فأنت تقبل عليه بوجهك وحديثك، وهو يظهر الاستغناء عنك والإعراض عما جئت به.
وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى أي لا بأس ولا شيء عليك في ألا يسلم ولا يهتدي، ولا يتطهر من الذنوب، فإنه ليس عليك إلا البلاغ، فلا تهتم بأمر من كان مثل هؤلاء من الكفار.
٢- وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى، وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى أي وأما من أتى إليك مسرعا في طلب الهداية والإرشاد إلى الخير، والعظة بمواعظ اللّه، وهو يخاف اللّه تعالى، فأنت تتشاغل عنه وتعرض وتتغافل.

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٢٣)


الصفحة التالية
Icon