أَتْبَعَهُ قَوْلَهُ " وَلَا حَرَجَ " مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى التَّوْسِعَةِ مِنْهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُحَدِّثُوا عَنْهُمْ إنْ شَاءُوا لِأَنَّ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ إنَّمَا كَانَ عَلَى الِاخْتِيَارِ لَا عَلَى الْإِيجَابِ وَكَانَ تِلْكَ مِنَّةً مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ عَقِيبًا لِقَوْلِهِ لَهُمْ: " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً " مِمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ إيجَابًا عَلَيْهِمْ فَأَتْبَعَ ذَلِكَ فِي أَمْرِهِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَدِيثِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ بِبَيَانِ مُخَالَفَةِ ذَلِكَ لِمَا قَبْلَهُ إذْ كَانَ مَا قَبْلَهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَالَّذِي بَعْدَهُ عَلَى الِاخْتِيَارِ " (١)
وقال الحافظ في الفتح :
" قوله: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم لأنه كان تقدم منه - ﷺ - الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم ثم حصل التوسع في ذلك، وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار، وقيل: معنى قوله: "لا حرج": لا تضيق صدوركم بما تسمعونه عنهم من الأعاجيب فإن ذلك وقع لهم كثيرا، وقيل: لا حرج في أن لا تحدثوا عنهم لأن قوله أولا: "حدثوا " صيغة أمر تقتضي الوجوب فأشار إلى عدم الوجوب وأن الأمر فيه للإباحة بقوله: "ولا حرج" أي في ترك التحديث عنهم. وقيل: المراد رفع الحرج عن حاكي ذلك لما في أخبارهم من الألفاظ الشنيعة نحو قولهم ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا﴾ وقولهم: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً﴾ وقيل: المراد ببني إسرائيل أولاد إسرائيل نفسه وهم أولاد يعقوب، والمراد حدثوا عنهم بقصتهم مع أخيهم يوسف، وهذا أبعد الأوجه. وقال مالك المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا. وقيل: المعنى حدثوا عنهم بمثل ما ورد في القرآن والحديث الصحيح. وقيل: المراد جواز التحدث عنهم بأي صورة وقعت من انقطاع أو بلاغ لتعذر الاتصال في التحدث عنهم، بخلاف الأحكام الإسلامية فإن الأصل في التحدث بها الاتصال، ولا يتعذر ذلك لقرب العهد. وقال الشافعي: من المعلوم أن النبي - ﷺ - لا يجيز التحدث بالكذب، فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم وهو نظير قوله: "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم" ولم يرد الإذن ولا المنع من التحدث بما يقطع بصدقه. " (٢)
القسم الثاني : ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه، وذلك مثل : ما ذكروه في قصص الأنبياء، من أخبار تطعن في عصمة الأنبياء عليه الصلاة والسلام، كقصة يوسف، وداود، وسليمان

(١) - شرح مشكل الآثار - (١ / ١٢٥) (١٣٣- ١٣٨ )
(٢) - فتح الباري لابن حجر - (٦ / ٤٩٨) و عون المعبود - (٨ / ١٦٠)


الصفحة التالية
Icon