كان حاضرا مجلس النبي - ﷺ - حينما جاء الأعمى فأظهر تقززه منه. غير أن جمهور المؤولين والرواة على أنه موجه إلى النبي - ﷺ -.
وفحوى الآيات ينطوي على دلالة تكاد تكون حاسمة على ذلك. والمتبادر أن روايات الشيعة منبثقة من هواهم وبغضهم لعثمان وبني أمية. وهذا ديدنهم في كل مناسبة مماثلة على ما نبهنا عليه في سياق سورة الليل. (١)
قوله تعالى :« عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ». فاعل عبس ضمير غيبة، يراد به النبىّ ـ صلوات اللّه وسلامه عليه.
والأعمى الذي جاء إلى النبي، فلم يهشّ له، هو عبد اللّه بن أم مكتوم الأعمى.. وهو صحابى جليل، من المهاجرين الأولين.
وفى توجيه الحديث إلى النبي ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ بضمير الغائب، تكريم له من اللّه سبحانه وتعالى، وحماية لذاته الشريفة، من أن يواجه بالعتب واللوم، وأن تلتفت إليه الأنظار وهو فى تلك الحال التي يكون فيها بموضع اللائمة والعتاب.. فالذى عبس غائب هنا عن محضر هذه المواجهة والعتاب.
ويذكر النبي الكريم من هذا العتاب الرفيق من ربه، أنه كان فى مواجهه جماعة من عتاة المشركين، ومن قادة الحملة المسعورة عليه، وعلى دعوته، وقد انتهزها النبي فرصة، لإسماعهم كلمات اللّه، لعل شعاعات من نورها، تصافح قلوبهم المظلمة، فتستضىء بنور الحق، وتفيء إلى أمر اللّه، وتتقبل الهدى المهدى إليها.. فإن ذلك لو حدث لانفتح هذا السد الذي يقف حائلا بين الناس، وبين الإيمان باللّه، ولدخل الناس فى دين اللّه أفواجا..
ويذكر النبي أيضا، من هذا العتاب الرقيق من ربه، أنه وهو فى مجلسه هذا مع عتاة قومه، أن هذا الأعمى، قد ورد عليه، ولم يكن يعلم من أمر النبىّ ما هو مشغول به، فجعل يسأل النبي أن يقرئه شيئا من آيات اللّه، فلم يلتفت إليه النبي، وهو يسأل، ويسأل، حتى ضاق به الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه، وظهر ذلك على وجهه الشريف..
« عَبَسَ وَتَوَلَّى ».. والعبوس : تقطيب الوجه، ضيقا، وضجرا، والتولّي : الإعراض عن الشيء، تكرّها له..
وإذ يذكر النبىّ ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ موقفه هذا، بعد أن تلقى تلك اللفتة الكريمة الرحيمة من ربه، ويراجع نفسه عليها، يلقاه قوله تعالى :« وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى ».