وفى توجيه الحديث إلى النبي ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ بضمير الغائب، تكريم له من اللّه سبحانه وتعالى، وحماية لذاته الشريفة، من أن يواجه بالعتب واللوم، وأن تلتفت إليه الأنظار وهو فى تلك الحال التي يكون فيها بموضع اللائمة والعتاب.. فالذى عبس غائب هنا عن محضر هذه المواجهة والعتاب.
ويذكر النبي الكريم من هذا العتاب الرفيق من ربه، أنه كان فى مواجهه جماعة من عتاة المشركين، ومن قادة الحملة المسعورة عليه، وعلى دعوته، وقد انتهزها النبي فرصة، لإسماعهم كلمات اللّه، لعل شعاعات من نورها، تصافح قلوبهم المظلمة، فتستضى ء بنور الحق، وتفي ء إلى أمر اللّه، وتتقبل الهدى المهدى إليها.. فإن ذلك لو حدث لانفتح هذا السد الذي يقف حائلا بين الناس، وبين الإيمان باللّه، ولدخل الناس فى دين اللّه أفواجا..
ويذكر النبي أيضا، من هذا العتاب الرقيق من ربه، أنه وهو فى مجلسه هذا مع عتاة قومه، أن هذا الأعمى، قد ورد عليه، ولم يكن يعلم من أمر النبىّ ما هو مشغول به، فجعل يسأل النبي أن يقرئه شيئا من آيات اللّه، فلم يلتفت إليه النبي، وهو يسأل، ويسأل، حتى ضاق به الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه، وظهر ذلك على وجهه الشريف.. (١)
٣- بالرغم من أن ابن أم مكتوم كان يستحق التأديب والزجر لأنه أبى إلا أن يكلم النبي - ﷺ - حتى يعلّمه، فكان في هذا نوع جفاء منه، بالرغم من هذا عاتب اللّه تعالى نبيه - ﷺ - لأن الأهم مقدم على المهم. ويستحق التأديب أيضا لأنه كان قد أسلم وتعلّم ما كان يحتاج إليه من أمر الدين. أما أولئك الكفار فما كانوا قد أسلموا، وإسلامهم سبب لإسلام جمع عظيم.
٤- إثبات ما جاء في الخبر أدبني ربي فأحسن تأديبي فقد دلت الآيات عليه.
٥- عذر ابن أم مكتوم : أنه لم يكن عالما بأن النبي - ﷺ - مشغول بغيره، وأنه يرجو إسلامهم.
٦- بلغ رسول الله - ﷺ - بتأديب ربّه له مستوى لم يبلغه سواه.
٧- استحالة كتمان الرسول - ﷺ - لشيء من الوحي فقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لو كان للرسول أن يكتم شيئا من وحي الله لكتم عتاب الله تعالى له في عبس وتولى.
٨- الآية دليل واضح على وجوب المساواة في الإسلام في شأن الإنذار وتبليغ الدعوة دون تمييز بين فقير وغني. ونظير هذه الآية في العتاب قوله تعالى : وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام ٦/ ٥٢] وقوله سبحانه : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ، تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا، وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا، وَاتَّبَعَ هَواهُ، وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف ١٨/ ٢٨].