والموصل بعه إلينا منزه عن التهمة برئ من النقص لما يعلمونه من حاله قبل النبوة وما كانوا يشهدون له به من أمره ولم يأتهم بعدها إلا بما هو شرف له وتذكير بما في أنفسهم وفي الآفاق ومن الآيات، وذلك كاف لهم في الحكم بأنه صدق والعم اليقين بأنه حق، واسمها التكوير أدل ما فيها على ذلك بتأمل الظرف وجوابه وما فيه من بديع القول وصوابه، وما تسبب عنه من عظم الشأن لهذا القرآن ) بسم الله ( الواحد القهار ) الرحمن ( الذي عمت نعمة إيجاده وبيانه الأبرار والفجار ) الرحيم ( الذي خص أهل وداده بما أسعدهم في دار القرار. (١)
السورة فصلان، الأول في صدد يوم القيامة وهول أعلامه وحساب الناس فيه ومصائرهم، والثاني في صدد توكيد صدق ما أخبر به النبي - ﷺ - من صلته بوحي اللّه وملكه ونفي الجنون عنه وصلة الشيطان به. والفصلان على اختلاف موضوعيهما غير منفصلين عن بعضهما، والمرجح أنهما نزلا متتابعين فوضع الواحد بعد الآخر. (٢)
هذه السورة ذات مقطعين اثنين تعالج في كل مقطع منهما تقرير حقيقة ضخمة من حقائق العقيدة:
الأولى حقيقة القيامة، وما يصاحبها من انقلاب كوني هائل كامل، يشمل الشمس والنجوم والجبال والبحار، والأرض والسماء، والأنعام والوحوش، كما يشمل بني الإنسان.
والثانية حقيقة الوحي، وما يتعلق بها من صفة الملك الذي يحمله، وصفة النبي الذي يتلقاه، ثم شأن القوم المخاطبين بهذا الوحي معه، ومع المشيئة الكبرى التي فطرتهم ونزلت لهم الوحي.
والإيقاع العام للسورة بحركة جائحة. تنطلق من عقالها، فتقلب كل شيء، وتنثر كل شيء؛ وتهيج الساكن وتروع الآمن؛ وتذهب بكل مألوف وتبدل كل معهود؛ وتهز النفس البشرية هزاً عنيفاً طويلاً، يخلعها من كل ما اعتادت أن تسكن إليه، وتتشبث به، فإذا هي في عاصفة الهول المدمر الجارف ريشة لا وزن لها ولا قرار. ولا ملاذ لها ولا ملجأ إلا في حمى الواحد القهار، الذي له وحده البقاء والدوام، وعنده وحده القرار والاطمئنان..
ومن ثم فالسورة بإيقاعها العام وحده تخلع النفس من كل ما تطمئن إليه وتركن، لتلوذ بكنف الله، وتأوي إلى حماه، وتطلب عنده الأمن والطمأنينة والقرار..
وفي السورة مع هذا ثروة ضخمة من المشاهد الرائعة، سواء في هذا الكون الرائع الذي نراه، أو في ذلك اليوم الآخر الذي ينقلب فيه الكون بكل ما نعهده فيه من أوضاع. وثروة كذلك من التعبيرات الأنيقة! المنتقاة لتلوين المشاهد والإيقاعات. وتلتقي هذه وتلك في حيز السورة الضيق، فتضغط على الحس وتنفذ إليه في قوة وإيحاء.
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (١ / ٤٩٩)