وإذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت... إلخ ما ذكر هنا من الأمور الاثنى عشر. وجواب هذا الشرط قوله : علمت نفس ما أحضرت، أى : إذا حصل هذا - ما ذكر - علمت نفس ما قدمت من عمل إن كان خيرا فجزاؤه خير، وإن كان شرّا فجزاؤه شر.
وقد فصل هنا ما أجمل في سورة « ق » عند بيان ما يسبق الحساب فقال هناك : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وقال هنا : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ إلى قوله : وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وهنا أجمل في ذكر ما يحصل يوم الحساب حيث اكتفى بسؤال الموءودة، وتسعير جهنم. وتقريب الجنة، وفي سورة « ق » فصل كثيرا حيث قال : وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ...... إلخ. الآيات. (١)
التفسير والبيان :
هذه أوصاف القيامة وأحداثها الجسام، لتعظيمها وتخويف الناس بها : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ، وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ أي إذا لفّت الشمس، وجمعت، بعضها على بعض كتكوير العمامة، وجمع الثياب مع بعضها، ثم رمى بها، وذهب بضوئها، إيذانا بخراب العالم وإذا انقضّت النجوم وتساقطت وتناثرت، كما قال تعالى : وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ [الانفطار ٨٢/ ٢] وإذا قلعت الجبال عن الأرض، وسيّرت في الهواء حين زلزلة الأرض، كما قال تعالى : وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً [السبأ ٧٨/ ٢٠] وقال سبحانه : وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً [الكهف ١٨/ ٤٧].
وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ، وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ أي وإذا النوق الحوامل التي في بطونها أولادها، وهي أنفس مال عند العرب وأعزّة عندهم، تركت مهملة بلا راع، لشدة الخطب، وعظمة الهول وإذا الوحوش الدواب البرية غير الإنسانية بعثت حتى يقتص لبعضها من بعض، وقيل : حشرها : موتها وهلاكها وإذا البحار أوقدت بالبراكين والزلازل فصارت نارا تضطرم، بعد أن فاض بعضها إلى بعض، وصارت شيئا واحدا، كما قال تعالى : وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ [الانفطار ٨٢/ ٣] وقال : وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ [الطور ٥٢/ ٦] وحينئذ تصير البحار والأرض شيئا واحدا في غاية الحرارة والإحراق.
عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ : ثني أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، قَالَ : سِتُّ آيَاتٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ : بَيْنَا النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ، إِذْ ذَهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ تَنَاثَرَتِ النُّجُومُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ وَقَعَتِ الْجِبَالُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَتَحَرَّكَتْ وَاضْطَرَبَتْ وَاحْتَرَقَتْ، وَفَزِعَتِ الْجِنُّ إِلَى الْإِنْسِ، وَالْإِنْسُ إِلَى الْجِنِّ، وَاخْتَلَطَتِ الدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ، وَمَاجُوا بَعْضُهُمْ فِي بَعْضِ وَإِذَا

(١) - التفسير الواضح، ج ٣، ص : ٨٢٩


الصفحة التالية
Icon