وقد يكون من الحق أن بعض المفسرين وقفوا من الاسرائيليات موقف المنكر المنبه الناقد غير أن هذا ليس شاملا ولا عاما، ومن الناقدين والمنكرين والمنبهين أنفسهم من روى كثيرا منها في مناسبات كثيرة بدون نقد ولا إنكار ولا تنبيه. " (١)
وقال الخطيب :
" أما ما ألقى الشيطان، فقد نسخ وبطل، وذهب هباء! واستمع إلى الآية كلها مرة أخرى :« وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ.. فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ.. ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ.. وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ».
وأحسب ـ بعد هذا، بل وقبل هذا ـ أن الآية الكريمة، واضحة الدلالة بيّنة القصد، لمن نظر إليها نظرا بعيدا عن وساوس الأساطير، وهمسات الإسرائيليات، التي كان يلقى بها اليهود إلى آذان القصاص ورواة الأخبار، فيتلقاها عنهم المفسرون، ويحملونها إلى الكتاب الكريم!! فالآية الكريمة تكاد لوضوحها تنطق بمضمونها، وتحدّث بمفهومها، ولكن الخيال الأسطورى، أغرى المفسرين بأن يستولدوا من الآية عجائب وغرائب منكرة.. كما سنعرضها عليك بعد قليل.. " (٢)
وقال سيد طنطاوي :
" وقد أعرضنا عن كثير من الإسرائيليات التي حشا بها بعض المفسرين تفاسيرهم، عند حديثهم عن الآيات التي وردت في هذه القصة، ومن ذلك ما يتعلق بسليمان - عليه السلام - وبجنوده من الطير. وبمحاورة النملة له، وبالهدية التي أرسلتها ملكة سبأ إليه، وبما قالته الشياطين لسليمان عن هذه المرأة.. " (٣)
وقال الشعراوي :
" وقولها ﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ ﴾ [النمل: ٤٤] مثل قول سَحَرة فرعون لما رأوا المعجزة:﴿ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىا ﴾[طه: ٧٠] لأن الإيمان إنما يكون بالله والرسول دال على الله، لذلك قالت: ﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ ﴾ [النمل: ٤٤] ولم تقُلْ: أسلمتُ لسليمان، نعم لقد دانتْ له، واقتنعتْ بنبوته، لكن كبرياء الملك فيها جعلها لا تخضع له، وتعلن إسلامها لله مع سليمان؛ لأنه السبب

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (١ / ٣٥٧)
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (٩ / ١٠٦٦)
(٣) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم لطنطاوي - (١٠ / ٣٣٠)


الصفحة التالية
Icon