. أي رؤيت وكأنها بحر واحد، محيط بالأرض، لا حركة له، وكأنه مسجور، أي مربوط بالأرض.. أما ما يقال بأن تسجير البحار هو تضرّمها، وتلهبها، حيث تصبح كتلة من نار، فهذا لا مفهوم له، إلا أن يقال ـ كما قيل ـ إن هذا دليل على قدرة اللّه سبحانه، وأنه كما أنبت الشجر فى أصل الجحيم، أخرج النار من قلب الماء.. وقدرة اللّه سبحانه لا تحتاج للدلالة عليها إلى مثل هذه الصور الشوهاء التي تفسد نظام الوجود، وتذهب بجلال الحكمة الممسكة به فى دقة وروعة، وإحكام..
قوله تعالى :« وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ » أي زوجت الأبدان التي كانت فيها، وردّت إليها، لتخرج من قبورها للبعث والحساب، والجزاء.. فالمراء بالنفوس هنا الأرواح.
وقوله تعالى :« وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ » ؟
الموءودة، من توءد من البنات، وتدفن حية، بيد أهلها، كما كان كذلك عادة عند بعض قبائل العرب فى الجاهلية.. كما يشير إلى ذلك قوله تعالى :« وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ ؟ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ » (٥٨ ـ ٥٩ النحل)..
وسؤال الموءودة يوم القيامة، فى مواجهة من وأدها، مع أن الأولى ـ فى ظاهر الأمر ـ أن يسأل الجاني لا المجنى عليه ـ فى هذا تشنيع على الجاني ومواجهة له بالجريمة التي أجرمها، ووضعها بين يديه، ليرى تلك الجناية الغليظة المنكرة، وليسمع من قتيلته التي ظنّ أنه سوّى حسابه معها، ليسمع منطقها الذي يأخذ بتلابيبه، ويملأ قلبه فزعا ورعبا..
أرأيت إلى قتيل يظهر على مسرح القضاء، هذ وقاتله فى موقف المحاكمة ؟ ثم أرأيت إلى هذا القتيل، وهو يروى للقاضى : لم قتل ؟ وكيف قتل ؟ ثم أرأيت إلى القاتل، وقد أذهله الموقف، فخرس لسانه، وارتعدت فرائصه، وانهار كيانه ؟ ذلك بعض من هذا المشهد الذي يكون بين الموءودة ووائدها يوم القيامة!.
وقوله تعالى :« وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ».
أي صحف الأعمال، حيث يقرأ كل إنسان ما سجل فى كتابه المسطور بين يديه..
قوله تعالى :« وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ »..
وكشط السماء، هو زوال هذه الصورة التي تبدو منها لنا فى الدنيا، وكأنها سقف سميك، فتبدو السماء حينئذ، وكأنها قد أزيلت من مكانها، فكانت أبوابا مفتحة تنطلق فيها الأرواح إلى ما شاء اللّه من علوّ، دون أن تصطدم بشىء يردّها..
قوله تعالى :« وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ. وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ». سعرت : أي توقدت، وتسعر جمرها، وعلا لهيبها. وأزلفت : أي قربت ودنت من أهلها..