فإذا لم يكن بد أن نعرف شيئاً عن حقيقة ما يجري للكائنات، فليس أمامنا إلا تقريبها في عبارات مما نألف في هذه الحياة!
إن تكوير الشمس قد يعني برودتها. وانطفاء شعلتها، وانكماش ألسنتها الملتهبة التي تمتد من جوانبها كلها الآن إلى ألوف الأميال حولها في الفضاء. كما يتبدى هذا من المراصد في وقت الكسوف. واستحالتها من الغازية المنطلقة بتأثير الحرارة الشديدة التي تبلغ ١٢٠٠٠ درجة، والتي تحول جميع المواد التي تتكون منها الشمس إلى غازات منطلقة ملتهبة.. استحالتها من هذه الحالة إلى حالة تجمد كقشرة الأرض، وتكور لا ألسنة له ولا امتداد!
قد يكون هذا، وقد يكون غيره.. أما كيف يقع والعوامل التي تسبب وقوعه فعلم ذلك عند الله.
وانكدار النجوم قد يكون معناه انتثارها من هذا النظام الذي يربطها، وانطفاء شعلتها وإظلام ضوئها.. والله أعلم ما هي النجوم التي يصيبها هذا الحادث. وهل هي طائفة من النجوم القريبة منا.. مجموعتنا الشمسية مثلاً. أو مجرتنا هذه التي تبلغ مئات الملايين من النجوم.. أم هي النجوم جميعها والتي لا يعلم عددها ومواضعها إلا الله. فوراء ما نرى منها بمراصدنا مجرات وفضاءات لها لا نعرف لها عدداً ولا نهاية.
فهناك نجوم سيصيبها الانكدار كما يقرر هذا الخبر الصادق الذي لا يعلم حقيقته إلا الله..
وتسيير الجبال قد يكون معناه نسفها وبسها وتذريتها في الهواء، كما جاء في سورة أخرى :﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً ﴾ ﴿ وبست الجبال بساً فكانت هباء منبثاً ﴾ ﴿ وسيرت الجبال فكانت سراباً ﴾ فكلها تشير إلى حدث كهذا يصيب الجبال، فيذهب بثباتها ورسوخها وتماسكها واستقرارها، وقد يكون مبدأ ذلك الزلزال الذي يصيب الأرض، والذي يقول عنه القرآن :﴿ إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها.. ﴾ وكلها أحداث تقع في ذلك اليوم الطويل..
أما قوله سبحانه :﴿ وإذا العشار عطلت ﴾.. فالعشار هي النوق الحبالى في شهرها العاشر. وهي أجود وأثمن ما يملكه العربي. وهي في حالتها هذه تكون أغلى ما تكون عنده، لأنها مرجوة الولد واللبن، قريبة النفع. ففي هذا اليوم الذي تقع فيه هذه الأهوال تهمل هذه العشار وتعطل فلا تصبح لها قيمة، ولا يهتم بشأنها أحد.. والعربي المخاطب ابتداء بهذه الآية لا يهمل هذه العشار ولا ينفض يده منها إلا في حالة يراها أشد ما يلم به!
﴿ وإذا الوحوش حشرت ﴾.. فهذه الوحوش النافرة قد هالها الرعب والهول فحشرت وانزوت تتجمع من الهول وهي الشاردة في الشعاب؛ ونسيت مخاوفها بعضها من بعض، كما نسيت فرائسها، ومضت هائمة على وجوهها، لا تأوي إلى جحورها أو بيوتها كما هي عادتها، ولا


الصفحة التالية
Icon