ويستبشرون بما عملوا، ويعضّ أهل السوء بنان الندم، ويوقنون بسوء المنقلب، ويتمنون أن لو كانوا ترابا. (١)
يذكرنا القرآن كثيرا بيوم القيامة، وأن الإنسان فيه يشهد ما قدمته يداه من خير أو شر وسيجازى عليه، ويقدم لذلك بذكر بعض أهوال يوم القيامة ليجذب قلب السامع إلى دائرة الاتعاظ والتهويل والتفخيم، فترى السامع وقد حبس أنفاسه ساعة يسمع (إذا السماء انفطرت) وتشققت، وإذا الكواكب التي كانت زينة ونورا تصبح وقد تناثرت وسقطت بلا نظام، كسقوط العقد إذا انفرط حبه في يد صاحبه، ولا تنس أن الأرض تسير سيرا، وتضطرب اضطرابا. ويقع الخلل في جميع أجزائها فترى البحار وقد فجرت تفجيرا، وتشققت جوانبها وامتلأت ماء حتى اختلط عذبها بملحها، ولم يعد بينها حاجز بل يغمر البسيطة الماء ثم لا يلبث أن يتبخر، والبحار تسجر وتملأ لهبا ودخانا، أرأيت الأرض في هذه الساعة : وكأنى بك وأنت تنظر إلى القبور وقد بعثرت، وذرى ترابها وأخرج من فيها للحساب، وقد نشرت الصحف وقرئت الكتب عندئذ تعلم كل نفس ما قدمت من صالح الأعمال أو سيئها وما أخرت منه.
عجبا لك أيها الإنسان العاقل المفكر ما الذي غرك وخدعك، وجرأك على عصيان ربك الكريم ؟ ! وقد علمت ما سيكون يوم القيامة من أهوال، وما ستلاقيه أنت من أحوال، وما سيظهر لك من أعمال، يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم المتعالي المنزه عن كل نقص المتصف بكل كمال، الذي خلقك أولا، وهو على خلقك ثانيا أقدر وأقدر، الذي خلقك فسواك وجعلك حسن الصورة كامل الهيئة سالما في أعجب الصور وأتقنها وأجملها وأدقها وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ الأعضاء، الذي خلقك فعدلك وصيرك معتدلا متناسب الخلق منتصب القامة، فلست كبقية الحيوان، وقد عدلك، أى صرفك عن صورة غيرك.. (٢)
التفسير والبيان :
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ أي إذا انشقت السماء، كما قال تعالى : السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ [المزمل ٧٢/ ١٨]، وقال سبحانه : وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ [الفرقان ٢٥/ ٢٥]، وقال عزّ وجلّ : فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ، فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ [الرحمن ٥٥/ ٣٧]، وقال عزّ من قائل : وَفُتِحَتِ السَّماءُ، فَكانَتْ أَبْواباً [النبأ ٧٨/ ١٩].
وإذا تساقطت الكواكب وتفرقت، وذلك بعد تشقق السماء. وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ أي فجّر اللّه بعضها في بعض فصارت بحرا واحدا، ثم تسجّر أي توقد فتصير نارا تضطرم، كما قال تعالى : وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ [التكوير ٨١/ ٦].
(٢) - التفسير الواضح، ج ٣، ص : ٨٣٥