: البقرة) ثم كيف يعرف كرم الكريم، ويطمع فى أن ينال منه، من لا يعرف الكريم ذاته، ومن لا يرجو له وقارا؟ إن حجة هؤلاء داحضة، ومكر أولئك يبور! (١)
قال الشهاب : يعني أزيل التراب التي ملئت به وكان حتى على موتاها، فانفتحت وخرج من دفن فيها. وهذا معنى البعثرة، وحقيقتها تبديد التراب أو نحوه، وهو إنما يكون لإخراج شيء تحته، فقد يذكر ويراد معناه ولازمه معاً، كما هنا. وقد يتجوزّ به عن البعث والإخراج كما في سورة العاديات. والفارق بينهما أنه أسند هنا للقبور فكان على حقيقته. وَثَمّ لما فيها، فكانت مجازاً عما ذكر. ثم قال : وذهب بعض الأئمة كالزمخشري والسهيلي إلى أنه مركب من كلمتين اختصاراً، ومثله كثير في لغة العرب ويسمى نحتاً. وأصله : بعث، و أثير أي : حرك وأخرج، وله نظائر كبسمل وحقول ودمعز، أي : قال : بسم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأدام اللهُ عزَّه. فعلى هذا يكون معناه النبش والإخراج معاً. ولا يرد عليه أن الراء ليست من أحرف الزيادة، كما توهمه أبو حيان، فإنه فرق بين التركيب والنحت من كلمتين، والزيادة على بعض الحروف الأصول من كلمة واحدة، كما فصله في " المزهر " نقلاً عن أئمة اللغة.
قال الإمام ابن القيم في " الجواب الكافي " في بحث كون القرآن من أوله إلى آخره صريحاً في ترتيب الجزاء بالخير والشر، والأحكام الكونية، على الأسباب ما تتمته : فليحذر مغالطة نفسه على هذه الأسباب، وهذا من أهم الأمور فإن العبد يعرف أن المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه وآخرته، ولا بد. ولكن تغالطه نفسُه.
ثم ذكر من أنواع المغترين من يغتر بفهم فاسد فهمِه هو وأضرابه من نصوص القرآن والسنة فاتكلوا عليه. قال : كاغترار بعض الجهال بقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ فيقول : كرمه. وقد يقول بعضهم : إنه لقن المغتر حجته. وهذا جهل قبيح، وإنما غره بربه الغرور، وهو الشيطان ونفسُه الأمارة بالسوء وجهله وهواه ؛ وأتى سبحانه بلفظ ﴿ الْكَرِيمِ ﴾ وهو السيد العظيم المطاع الذي لا ينبغي الاغترار به ولا إهمال لحقه ؛ ووضع هذا المغتر الغرور في غير موضعه، واغتر بمن لا ينبغي الاغترار به. انتهى.
وفي مثل هذا الغرور يجب - كما قال الغزاليّ - على العبد أن يستعمل الخوف، فيخوِّف نفسه بغضب الله وعظيم عقابه، ويقول : إنه مع أنه غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب. و : إنه مع أنه كريم، خلّد الكفار في النار أبد الآباد. مع أنه لم يضره كفرهم، بل سلط العذاب والمحن والأمراض والعلل والفقر والجوع على جملة من عباده في الدنيا، وهو قادر على