من أكل مال الناس. فأريد إيقاظهم لذلك، فكانت مقدمة لإصلاح أحوال المسلمين في المدينة مع تشنيع أحوال المشركين بمكة ويثرب بأنهم الذين سنوا التطفيف.
وما أنسب هذا المقصد بأن تكون نزلت بين مكة والمدينة لتطهير المدينة من فساد المعاملات التجارية قبل أن يدخل إليها النبي - ﷺ - لئلا يشهد فيها منكرا عاما فإن الكيل والوزن لا يخلو وقت عن التعامل بهما في الأسواق وفي المبادلات.
وهي معدودة السادسة والثمانين في عداد نزول السور، نزلت بعد سورة العنكبوت وقبل سورة البقرة. وعدد آيها ست وثلاثون.
أغراضها
اشتملت على التحذير من التطفيف في الكيل والوزن وتفظيعه بأنه تحيل على أكل مال الناس في حال المعاملة أخذا وإعطاء.
وأن ذلك مما سيحاسبون عليه يوم القيامة.
وتهويل ذلك اليوم بأنه وقوف عند ربهم ليفصل بينهم وليجازيهم على أعمالهم وأن الأعمال محصاة عند الله.
ووعيد الذين يكذبون بيوم الجزاء والذين يكذبون بأن القرآن منزل من عند الله.
وقوبل حالهم بضده من حال الأبرار أهل الإيمان ورفع درجاتهم وإعلان كرامتهم بين الملائكة والمقربين وذكر صور من نعيمهم.
وانتقل من ذلك إلى وصف حال الفريقين في هذا العالم الزائل إذ كان المشركون يسخرون من المؤمنين ويلزمونهم ويستضعفونهم وكيف انقلب الحال في العالم الأبدي. " (١)
مناسبتها لما قبلها :
تتعلق هذه السورة بما قبلها من وجوه أربعة :
١- قال اللّه تعالى في آخر السورة المتقدمة واصفا يوم القيامة : يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ وذلك يقتضي تهديدا عظيما للعصاة، فلهذا أتبعه هنا بقوله : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ والمراد : الزجر عن التطفيف : والبخس في المكيال والميزان بالشيء القليل على سبيل الخفية. أما الكثير فيظهر، فيمنع منه.
٢- في كل من السورتين توضيح أحوال يوم القيامة.
٣- ذكر اللّه تعالى في السورة السابقة : وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ، كِراماً كاتِبِينَ [١٠- ١١] وذكر هنا ما يكتبه الحافظون : كِتابٌ مَرْقُومٌ [٢٠] يجعل في عليين، أو في سجين.