إنها سورة هادئة الإيقاع، جليلة الإيحاء، يغلب عليها هذا الطابع حتى في مشاهد الانقلاب الكونية التي عرضتها سورة التكوير في جو عاصف. سورة فيها لهجة التبصير المشفق الرحيم، خطوة خطوة. في راحة ويسر، وفي إيحاء هادئ عميق. والخطاب فيها :﴿ يا أيها الإنسان ﴾ فيه تذكير واستجاشة للضمير.
وهي بترتيب مقاطعها على هذا النحو تطوف بالقلب البشري في مجالات كونية وإنسانية شتى، متعاقبة تعاقباً مقصوداً.. فمن مشهد الاستسلام الكوني. إلى لمسة لقلب « الإنسان ». إلى مشهد الحساب والجزاء. إلى مشهد الكون الحاضر وظواهره الموحية. إلى لمسة للقلب البشري أخرى. إلى التعجيب من حال الذين لا يؤمنون بعد ذلك كله. إلى التهديد بالعذاب الأليم واستثناء المؤمنين بأجر غير ممنون..
كل هذه الجولات والمشاهد والإيحاءات واللمسات في سورة قصيرة لا تتجاوز عدة أسطر.
. وهو ما لا يعهد إلا في هذا الكتاب العجيب! فإن هذه الأغراض يتعذر الوفاء بها في الحيز الكبير ولا تؤدى بهذه القوة وبهذا التأثير.. ولكنه القرآن ميسر للذكر؛ يخاطب القلوب مباشرة من منافذها القريبة. صبغة العليم الخبير! (١)
وقال دروزة :" في السورة إشارة إلى مشاهد القيامة. وبيان لمصير الأبرار والأشرار فيها.
وتوكيد إنذاري وتنديدي للكفار بأنهم ستتبدل حالهم وينالهم العذاب دون المؤمنين الصالحين.
ونظم السورة وترابط آياتها يسوغان القول بوحدة نزولها. " (٢)
فضلها :
عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ بِهِمْ (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) فَسَجَدَ فِيهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - سَجَدَ فِيهَا."سنن النسائى (٣)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: " سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ - ﷺ - فِي: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ "شرح مشكل الآثار (٤)
وعَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ لَهُمْ ( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) فَسَجَدَ فِيهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - سَجَدَ فِيهَا."صحيح مسلم (٥)

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٨٦٥)
(٢) - التفسير الحديث لدروزة - (١ / ٣٣٢٠)
(٣) - سنن النسائى (٩٦٩ ) صحيح
(٤) - شرح مشكل الآثار - (٩ / ٢٣٩) (٣٦٠٣ ) صحيح
(٥) - صحيح مسلم (١٣٢٧ )


الصفحة التالية
Icon