قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: "قولهم نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب كما تقول: عُني بهذه الآية كذا" (١).
وقال الزركشي: "عُرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: (نزلت هذه الآية في كذا) فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم، لا أن هذا كان السبب في نزولها" (٢).
وتكون صيغة سبب النزول محتملة إذا قال الراوي: "ما أحسب هذه الآية نزلت إلاّ في ذلك".
فإذا وردت روايتان أو أكثر، وكانت إحداهما نصاً صريحاً في السببية والأخرى ليست نصاً فيه، أخذنا ما هو نص صريح، وحملنا الأخرى على بيان المعنى.
ومثال ذلك: عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابرًا يَقُولُ كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِى قُبُلِهَا كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَنَزَلَتْ ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (٣)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) قَالَ يَأْتِيهَا فِى. قال الحميدي : يعني في الفرج. أخرجه البخاري (٤)، أي إتيان النساء في أدبارهن (٥)
فالمعتمد عليه في بيان السبب هو رواية (جابر رضي اللّه عنه) لكونها نصاً في السببية. أما رواية ابن عمر رضي اللّه عنهما فتحمل على بيان التفسير والمعنى (٦)
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
قد تنزل الآية أو الآيات من القرآن الكريم لسبب خاص ولفظها عام فحينئذٍ يكون حكمهِا شاملاً لما نزلت بسببه، ولما تناوله لفظها لأن القرآن الكريم نزل تشريعاَ عاماً لكل الأمة، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على الراجح، في حالة إذا كان فرض المسألة في لفظ له عموم، أما إذا كانت الآية نزلت في معين ولا عموم للفظها فإنها تقصر عليه قطعاً.
مثال ذلك: آيات اللعان وهي قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (٨) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) [النور : ٦ - ٩] ﴾ نزلت في هلال
(٢) - البرهان في علوم القرآن للزركشي (١/ ٣١- ٣٢).
(٣) - صحيح مسلم (٣٦٠٨ )
(٤) - صحيح البخارى(٤٥٢٧)
(٥) - انظر كلام الحافظ في الفتح ٨/ ١٩٠.
(٦) - المدخل لدراسة القرآن- محمد أبو شهبة ص ١٤٤.