وأصحاب الأخدود، هم قوم كافرون باللّه، كان لهم موقف مع المؤمنين باللّه، شأنهم فى هذا شأن كل الكافرين مع المؤمنين فى كل زمان ومكان..
ولكن أصحاب الأخدود هؤلاء، قد جاءوا بمنكر لم يأته أحد من إخوانهم من أهل الضلال، ولهذا كانت جريمتهم أشنع جريمة، يستدعى لها الوجود كله، ليشهد محاكمتهم، وليسمع حكم اللّه عليهم.
لقد خدّوا أخاديد فى الأرض، أي حفروا حفرا عميقة فى الأرض، وملئوها حطبا، وأوقدوا فيها النار، حتى تسعرت، وعلا لهيبها، واشتد ضرامها، ثم نصبوا كراسى حولها يجلسون عليها، وجاءوا بالمؤمنين باللّه يرسفون فى أغلالهم يعرضونهم على النار واحدا بعد واحد، ويلقونهم فيها مؤمنا إثر مؤمن..
والمؤمنون يرون هذا ويقدمون عليه، دون أن ينال هذا العذاب من إيمانهم، أو يردهم عن دينهم الذي ارتضوه.. وفى هذا شاهد من شهود الإيمان المتمكن من القلوب، الراسخ فى النفوس.. إنه أقوى من الجبال الراسيات، لا تنال منها الأعاصير، ولا تزحزحها عانيات العواصف!
قوله تعالى :«إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ ». الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات : أي الذين كادوا لهم فى دينهم، وأخذوهم بالبأساء والضراء ليفتنوهم فى دينهم، ويخرجوهم منه.
وهذا وعيد من اللّه سبحانه وتعالى لكل من تعرض لأوليائه المؤمنين والمؤمنات، بأذى، يريد أن يصرفهم عن الإيمان، أو يصدّهم عنه.. فهؤلاء الذين آذوا المؤمنين والمؤمنات بسبب إيمانهم، إذا لم ينزعوا عما هم فيه، ولم يرجعوا إلى اللّه مؤمنين تائبين، فقد أعدّ اللّه لهم عذاب جهنم، بما فيها من مقامع من حديد، ومن شدّ إلى السلاسل والأغلال، ومن حميم يصبّ فوق الرءوس، ومن غساق يقطع الأمعاء.. ثم لهم فوق ذلك كله عذاب الحريق، أي عذاب النار ذاتها، الذي يرعى أجسامهم، كما ترعى النار الحطب. (١)
﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴾ أي : قتلهم الله وأهلكهم وانتقم منهم. على أن الجملة خبرية هي جواب القسم. أو دليل جوابه أن كانت دعائية، والتقدير : لتبلون كما ابتلي من قبلكم، ولينتقمن ممن فتنكم كما انتقم من الذين ألقوا المؤمنين في الأخدود. قال الزمخشري : وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة، وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان، وإلحاق أنواع الأذى وصبرهم وثباتهم، حتى يأنسوا بهم ويصبروا

(١) - التفسير القرآني للقرآن، ج ١٦، ص : ١٥١٤


الصفحة التالية
Icon