فقال ابن حزم رحمه الله : وأما قوله تعالى :﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ فهو على ظاهره دون تأويل ؛ لأن التسبيح في اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله عز وجل، هو تنزيه الشيء عن السوء، وبلا شك أن الله تعالى أمرنا أن ننزه اسمه الذي هو كلمة مجموعة من حروف الهجاء، عن كل سوء حيث كان من كتاب أو منطوقاً به. ووجه آخر وهو أن معنى قوله تعالى :﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ ومعنى قوله تعالى :﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [ الواقعة : ٩٥ - ٩٦ ]، معنى واحد، وهو أن يسبح الله تعالى باسمه. ولا سبيل إلى تسبيحه تعالى ولا إلى دعائه ولا إلى ذكره إلا بتوسط اسمه ؛ فكلا الوجهين صحيح. وتسبيح الله تعالى وتسبيح اسمه كل ذلك واجب بالنص. ولا فرق بين قوله تعالى :﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ وبين قوله ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾ [ الطور : ٤٨ - ٤٩ ].
والحمد بلا شك هو غير الله، وهو تعالى يسبح بحمده كما يسبح باسمه، ولا فرق ؛ فبطل تعلقهم بهذه الآية. انتهى كلامه.
وقد يقال : فرق بين الآيتين، فإن الباء في ﴿ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ للملابسة، ولا كذلك هي في ﴿ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ ومع اتساع اللفظ الكريم للأوجه كلها، فالأظهر هو الأول لما أيده من الأخبار ولآية ﴿ فَسَبِّحْهُ ﴾ وآية ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ ﴾ والله أعلم. (١)
الخطاب في الآيات موجه للنبي - ﷺ - وقد تضمنت :
١- أمره بتقديس اسم ربّه الأعلى الذي يستحق كل تقديس وتنزيه. فهو الذي خلق كل شيء وسوّاه على أتم وجه. وهو الذي رتب وحسب في الخلق كل أمر.
وأودع في خلقه قابلية الهدى. وهو الذي أنبت النبات ثم جعله جافا متكسرا أسود اللون بالناموس الذي أودعه في الكون بعد ما كان أخضر لينا.
٢- وتنبيها له بأنه سيوحى إليه بالقرآن ويعلمه إياه، فلا ينسى منه شيئا إلّا ما شاء اللّه فهو العليم بكل شيء ظاهر وخفي وبمقتضيات كل حال، وبأنه سييسره في أسهل السبل وأيسرها، وبأن عليه أن يدعو الناس إليها ويذكرهم لعل الذكرى تنفعهم وهذه مهمته.
٣- وتقريرا بأن الناس إزاء الذكرى فريقان : تقي صالح وشقي آثم. فالأول هو الذي يخشى العاقبة فيتقبل الدعوة وينتفع بالذكرى، والثاني هو الذي لا يخشى العاقبة فيعرض عن الدعوة والذكرى، فيكون جزاؤه النار الهائلة التي لا يموت فيها فيستريح، ولا يأمل الخلاص منها والحياة الآمنة المطمئنة.

(١) - محاسن التأويل تفسير القاسمي - (١٣ / ١٩٧)


الصفحة التالية
Icon