فيقول قولي حين تصبحين سبحان اللّه وبحمده ولا قوة إلّا به، ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن أعلم أن اللّه على كلّ شيء قدير وأنّ اللّه قد أحاط بكلّ شيء علما، فإنه من قالهنّ حين يصبح حفظ حتى يمسي ومن قالهنّ حين يمسي حفظ حتى يصبح». وما رواه أبو داود كذلك عن ابن عباس قال :«قال النبي - ﷺ - من قال حين يصبح فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ إلى تُخْرَجُونَ أدرك ما فاته في يومه ذلك ومن قالهنّ حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته».
ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن الانتفاع بالتسبيح رهن بالإخلاص فيه وعدم اقتصاره على الحركة اللسانية التي لا يستشعر صاحبها بما فيه من تذكير وتنبيه وحافز على مراقبة اللّه عز وجل وتقواه. واللّه أعلم. (١)
وأسماء اللّه تعالى، هى صفاته الموصوف بها، وهى وإن كانت مما قد نصف به ذواتنا، من العلم، والسمع، والبصر، والقدرة، وغيرها، إلا أن للّه سبحانه كمال هذه الصفات، كمالا مطلقا، على حين أن ما نتداوله نحن من هذه الصفات هو فى حدود وجودنا المحدود، فيقال فلان حفيظ، وعليم، وقادر، وكريم، وهو فى هذه الصفات كائن بشرى محدود، واتصافه بها إنما هو بالإضافة إلى غيره، ممن هو أقل منه حفظا، أو علما، أو قدرة، أو كرما..
فالتسبيح باسم اللّه، هو ذكره سبحانه بكل ما له من الأسماء الحسنى، كما يقول سبحانه :« وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها » (١٨٠ : الأعراف) والمراد بالتسبيح باسم اللّه، هو التسبيح لذاته سبحانه وتعالى.. ولكن الذات العلية لا يمكن تصورها، وإنما الذي يمكن تصوره ـ مهما بالغنا فى هذا التصور ـ هو ما تتصف به الذات من صفات الكمال التي تتجلى فى أسمائه الحسنى.
ولما كانت هذه السورة ـ سورة الأعلى ـ من أوائل ما نزل من القرآن، فقد كان النبي الكريم يحرص أشد الحرص على أن يحفظ حفظا موثّقا كلّ ما يتلقى من وحي.. فلما حمى الوحى وبدأت آيات اللّه تنزيل عليه تباعا، خشى أن يثقل على حافظته حفظ ما يوحى إليه، ولهذا كان يسمع الآية من جبريل عليه السلام فيعيد تكرارها على لسانه حتى يثبت حفظها فى قلبه، فنزل عليه قوله تعالى :« لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ » (١٦ ـ ١٩ : القيامة).. ثم جاء قوله تعالى :« سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ».. وذلك ليقطع على النبىّ كل خاطر يخطر له من أن شيئا مما نزل عليه من آيات اللّه، يكون فى معرض النسيان يوما ما..

(١) - التفسير الحديث، ج ١، ص : ٥١٢


الصفحة التالية
Icon