بقوله : عامِلَةٌ ناصِبَةٌ، تَصْلى ناراً حامِيَةً.. [الآيات : ٢- ٧] ثم ذكر صفات وأحوال المؤمنين في الآيات :[٨- ١٦]. ولما قال تعالى في الأعلى : وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى أبان صفة الجنة في الآيات السابقة أكثر من صفة النار، تحقيقا لمعنى الخيرية.
ما اشتملت عليه السورة :
* سورة الغاشية مكية، وقد تناولت موضوعين أساسيين وهما :
١ - القيامة وأحوالها وأهوالها، وما يلقاه الكافر فيها من العناء والبلاء، وما يلقاه المؤمن فيها من السعادة والهناء [ هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية الآيات
٢ - الأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين، وقدرته الباهرة، في خلق الإبل العجيبة والسماء البديعة، والجبال المرتفعة، والأرض الممتدة الواسعة، وكلها شواهد على وحدانية الله وجلال سلطانه [ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت ] الآيات.
* وختمت السورة الكريمة بالتذكير برجوع الناس جميعا إلى الله سبحانه للحساب والجزاء (١).
السورة فصلان متناظران، أحدهما في الإنذار بيوم القيامة ووصف مصير وحالة المؤمنين والكفار فيه. وثانيهما في لفت نظر الناس إلى بعض مشاهد الخلق والكون الدالة على ربوبية اللّه وقدرته فيه معنى التنديد بالكفار مع بيان مهمة النبي - ﷺ - وكونها للتبليغ والتذكير وليست لإكراه الناس.
وأسلوب السورة ومضمونها مما يسوغ القول إنها من السور التي نزلت دفعة واحدة. (٢)
ختمت سورة « الأعلى » بالحديث عن الآخرة، وعن أنها الحياة الخالدة الباقية، التي تستحق أن يعمل الإنسان لها، ويؤثرها على الدنيا، إيثار الحقّ على الباطل، والعظيم على الحقير، والباقي على الفاني.. ولكن حب الدنيا قد غلب على أكثر الناس، فصرفوا همهم كله إلى الدنيا، ولم يعطوا الحياة الآخرة شيئا من وجودهم، فجاءوا إلى يوم القيامة، مفلسين معدمين، ليس فى أيديهم زاد لها، بل كل ما يحملون هو أوزار وآثام، وضلالات.. فكان الحديث عن الغاشية، وهى القيامة، وعن أهوالها، تذكيرا للناس بها، وتنبيها لهم إلى ما يلقى المجرمون فيها من عذاب ونكال.. (٣)
(٢) - التفسير الحديث، ج ٥، ص : ٤٥
(٣) - التفسير القرآني للقرآن، ج ١٦، ص : ١٥٣٧