وواضح أن الآيات قد استهدفت التذكير بالآخرة والوعيد للكافرين والبشرى للمؤمنين والأوصاف مستمدة من مألوفات السامعين في الدنيا. لإثارة الخوف في الكافرين والغبطة في المؤمنين بما يعرفونه ويتأثرون به إقبالا وارتياحا ورغبة أو انقباضا واشمئزازا بالإضافة إلى حقيقة الآخرة الإيمانية.
ويلحظ هنا أيضا صور للحياة الأخروية مغايرة لصور أخرى في آيات أخرى، ولقد علقنا على التباين والتنوع في هذه الصور بما رأينا فيه الكفاية في المناسبات المماثلة السابقة وبخاصة في سياق تفسير سورة فصلت فلا نرى ضرورة إلى إعادة أو زيادة.
هذا، ويلحظ أن السور السابقة انتهت بإنذار الظالمين الكافرين باليوم الموعود وأن هذه السورة بدأت بوصف ما يكون الناس عليه في ذلك اليوم حيث يمكن أن يكون في ذلك قرينة على صحة ترتيب نزول هذه السورة بعد تلك. (١)
قوله تعالى :« هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ ؟ » سؤال، يراد به تشويق المسئول إلى المسئول عنه، وإثارة الرغبة عنده فى التطلع إليه، والبحث عن جواب له.
وما يكاد المسئول يبحث فى خاطره عن جواب هذا السؤال، حتى يرد عليه الجواب من خارج، فيلتقى مع ما تردد فى خاطره من أجوبة عليه.. فإذا كان ما وقع فى خاطره صحيحا، التقى مع هذا الجواب الوارد عليه التقاء متمكنا، وعانقه عناق الغائب المنتظر، وإلا أخذ الجواب الصحيح، وأقامه مقام مالم يصح من خواطره، وتصوراته..
والغاشية : ما يغشى الناس فى هذا اليوم، من أهوال، وما يطلع عليهم فيه من شدائد.. وأصله من الغشي، وهو السطو والهجوم..
« وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ، عامِلَةٌ ناصِبَةٌ ». هذا هو مطلع حديث الغاشية، وهذا هو الجواب على السؤال عنها.. إن ما تحدّث به الغاشية عن نفسها ليس كلاما، وإنما هو أفعال وأحداث.. ومن أحداثها، تلك الوجوه الخاشعة.. وخشوعها هو خشوع ذلة، وضراعة، ومهانة، وليس خشوع تقوى وتوقير وإجلال.. فللذل خشوع انكسار، وامتهان، تموت معه العواطف، والمشاعر، كما يقول تعالى فى أصحاب النار :« وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ». وفى قوله تعالى :« عامِلَةٌ ناصِبَةٌ » ـ إشارة إلى هذا الرهق الذي غشى تلك الوجوه الخاشعة، لأن أصحابها فى نصب دائم، وعمل مضن لا ينقطع، من موقفهم موقف المساءلة، والحساب، وعرض مخازيهم عليهم، إلى وضع الأغلال فى أعناقهم، إلى