أقسم بهذا كله ليلفت النظر إلى عجائب الكون وآثار قدرة اللّه لعلهم يتفكرون، أقسم ليقعن الكفار في قبضة القوى القادر، وليعذبهم عذابا شديدا كما عذب غيرهم من الأمم التي كذبت وكفرت، وكان عاقبة أمرها خسرا، وها هي ذي أخبارهم بالإجمال. ألم تر كيف فعل ربك بعاد بعد أن أرسل لها هودا فكذبته وكفرت باللّه. وإرم لقبها، وكانت تسكن الخيام وتتخذ البيوت من الشعر إلا أنها كانت رفيعة العماد، قوية الجناب، لم يكن يضاهيها أحد، ولم يخلق مثلها في البلاد قوة وعددا. وقد ذكر اللّه أخبار عاد، وثمود، وفرعون، بالتفصيل في سور أخرى كالحاقة وغيرها.
أما ثمود فكانوا ينحتون من الجبال بيوتا حالة كونهم فارهين، وكانوا يقطعون الصخر وينحتونه لبناء مساكنهم، وهذه شهادة لهم بقوة العمل وسعة الفكر، وأما فرعون وما أدراك ما فرعون ؟ إنه ملك مصر وصاحب الحول والطول الذي كان يقول : أنا ربكم الأعلى، وكان قومه قد برعوا في فن الهندسة والعمارة حتى بنوا الأهرام وأقاموا التماثيل والمسلات، وما أروع التعبير بقوله : ذِي الْأَوْتادِ فتلك أبنية ثابتة شامخة ثبوت الأوتاد في الأرض، وإذا نظرنا إلى الهرم وجدناه أشبه ما يكون بالوتد المقلوب، هؤلاء جميعا طغوا وبغوا وتجاوزوا الحد في البلاد، ونشأ عن ذلك أنهم أكثروا فيها الفساد، فأنزل اللّه عليهم من العقوبات والعذاب الدنيوي ما يشبه ضرب السياط المتتابعة المتتالية، وما أدق قوله تعالى : فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ حيث شبه اللّه ما أوقعه بهم من أنواع المهلكات وأصناف العذاب بضرب السياط الذي يكون في أشد العقوبات واللّه - جل جلاله - إنما يعذب الأمم جزاء لما كانوا يعملون إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ فهو يجازى المسيء على إساءته، ولا يفوته واحد منهم، ولن يعجزه أحد في الأرض ولا في السماء، فاطمئنوا أيها المسلمون فغدا يلقى كل جزاءه، واحذروا أيها المشركون فهؤلاء كانوا أشد منكم قوة وأكثر حجما. (١)
التفسير والبيان :
وَالْفَجْرِ، وَلَيالٍ عَشْرٍ أي قسما من اللَّه بالفجر، أي الصبح الذي يظهر فيه الضوء، وينبلج النور لأنه وقت انفجار الظلمة عن الليل، كل يوم، وما يترتب عليه من اليقظة والاستعداد لجلب المنافع وتحقيق المصالح بالانتشار في الأرض وطلب الرزق من الإنسان والحيوان، كما في قوله تعالى : وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ [التكوير ٨١/ ١٨]، وقوله : وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ [المدثر ٧٤/ ٣٤]. وقيل : المراد : القسم بصلاة الفجر.
وقسما بالليالي العشر من ذي الحجة ذات الفضيلة:

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٦٠)


الصفحة التالية
Icon