خيرا أم شرا، فيطغى ويفسد فى الأرض، وإذا ضيق عليه الرزق (وقد يكون ذلك لتمحيص قلبه بالإخلاص أو لتظهر قوة صبره، فإن الفقر لا يزيد ذوى العزائم إلا شكرا) يقول ربى قد أهاننى، ومن أهانه اللّه وصغرت قيمته لديه لم يكن له عناية بعمله، فكيف يؤاخذه بما يصدر منه من شر، أو يكافئه على ما يصنع من خير، فلا شكره يكافأ بإحسان، ولا كفره يجازى بعقوبة، فينطلق يكسب عيشه بأى وسيلة عنّت له، ولا تحجزه شريعة، ولا يقف أمام قانون، ويسلك سبيل الجبارين، ويبخس الحقوق، ويفسد نظم المجتمع، ولا تزال أحوال الناس هكذا كما وصف اللّه فأرباب السلطان يظنون أنهم فى أمن من عقاب ربهم ولا يذكرونه إلا بألسنتهم، ولا يعرف له سلطان على قلوبهم، والفقراء الأذلاء صغرت نفوسهم عند أنفسهم، لا يبالون ماذا يفعلون ؟ (١)
التفسير والبيان :
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ، فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ، فَيَقُولُ : رَبِّي أَكْرَمَنِ أي إن الإنسان مخطئ في تفكيره أنه إذا امتحنه ربّه واختبره بالنعم، فأكرمه بالمال، ووسع عليه الرزق، فيقول : ربي أكرمني وفضلني واصطفاني ورفعني وعافاني من العقوبة، معتقدا أن ذلك هو الكرامة، فرحا بما نال، وسرورا بما أعطي، غير شاكر اللَّه على ذلك، ولا مدرك أن ذلك امتحان له من ربّه.
والمراد بالإنسان الجنس، وليس الكافر فقط، ويوجد هذا في كثير من أهل الإسلام « ١ ».
والمقصود من الآية أن اللَّه ينكر على الإنسان ويوبخه في اعتقاده أنه إذا وسع اللَّه عليه في الرزق ليختبره فيه، كان ذلك إكراما من اللَّه له، وليس كذلك، بل هو ابتلاء وامتحان، كما قال تعالى : أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ، نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ، بَلْ لا يَشْعُرُونَ [المؤمنون ٢٣/ ٥٥- ٥٦].
ونظيره أيضا قوله تعالى في صفة الكفار : يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا، وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [الروم ٣٠/ ٧]، وقوله أيضا : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ [الحج ٢٢/ ١٠].
والخلاصة : أن الغنى والثروة أو الجاه والسلطة ليس دليلا على رضا اللَّه عن العبد لأن ذلك لا قيمة له عند اللَّه تعالى.
ثم ذكر الجانب الآخر وهو أن الفقر والتقتير ليس دليلا على سخط اللَّه على العبد، فقال : وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ، فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، فَيَقُولُ : رَبِّي أَهانَنِ أي وأما إذا ما اختبره وامتحنه بالفقر