إنه الكبد طبيعة الحياة الدنيا. تختلف أشكاله وأسبابه. ولكنه هو الكبد في النهاية. فأخسر الخاسرين هو من يعاني كبد الحياة الدنيا لينتهي إلى الكبد الأشق الأمرّ في الأخرى. وأفلح الفالحين من يكدح في الطريق إلى ربه ليلقاه بمؤهلات تنهي عنه كبد الحياة، وتنتهي به إلى الراحة الكبرى في ظلال الله.
على أن في الأرض ذاتها بعض الجزاء على ألوان الكدح والعناء. إن الذي يكدح للأمر الجليل ليس كالذي يكدح للأمر الحقير.
ليس مثله طمأنينة بال وارتياحاً للبذل، واسترواحاً بالتضحية، فالذي يكدح وهو طليق من أثقال الطين، أو للانطلاق من هذه الأثقال، ليس كالذي يكدح ليغوص في الوحل ويلصق بالأرض كالحشرات والديدان! والذي يموت في سبيل دعوة ليس كالذي يموت في سبيل نزوة.. ليس مثله في خاصة شعوره بالجهد والكبد الذي يلقاه.
وبعد تقرير هذه الحقيقة عن طبيعة الحياة الإنسانية يناقش بعض دعاوى « الإنسان » وتصوراته التي تشي بها تصرفاته :﴿ أيحسب أن لن يقدر عليه أحد؟ يقول : أهلكت مالاً لبدا. أيحسب أن لم يره أحد؟ ﴾.
إن هذا « الإنسان » المخلوق في كبد، الذي لا يخلص من عناء الكدح والكد، لينسى حقيقة حاله وينخدع بما يعطيه خالقه من أطراف القوة والقدرة والوجدان والمتاع، فيتصرف تصرف الذي لا يحسب أنه مأخوذ بعمله، ولا يتوقع أن يقدر عليه قادر فيحاسبه.. فيطغى ويبطش ويسلب وينهب، ويجمع ويكثر، ويفسق ويفجر، دون أن يخشى ودون أن يتحرج.. وهذه هي صفة الإنسان الذي يعرى قلبه من الإيمان.
ثم إنه إذا دعي للخير والبذل ( في مثل المواضع التي ورد ذكرها في السورة ) ﴿ يقول : أهلكت مالاً لبداً ﴾.. وأنفقت شيئاً كثيراً فحسبي ما أنفقت وما بذلت! ﴿ أيحسب أن لم يره أحد ﴾ ؟ وينسى أن عين الله عليه، وأن علمه محيط به، فهو يرى ما أنفق، ولماذا أنفق؟ ولكن هذا « الإنسان » كأنما ينسى هذه الحقيقة، ويحسب أنه في خفاء عن عين الله! (١)
ما ترشد إليه الآياتُ
١- شرف مكة وحرمتها وعلو شأن الرسول - ﷺ - وسمو مقامه وهو فيها وقد أحلها الله تعالى له ولم يحلها لأحد سواه.
٢- شرف آدم وذريته الصالحين منهم.