٥- ٦- وَالسَّماءِ وَما بَناها، وَالْأَرْضِ وَما طَحاها أي وأقسم بالسماء وبناء اللَّه تعالى لها بالكواكب، كأن كل كوكب لبنة في سقف أو قبّة تحيط بالأرض وأهلها. وأقسم بالأرض كوكب الحياة البشرية والذي بسطها من كل جانب، وجعلها ممهدة موطأة للسكنى مثل قوله تعالى : وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها [النازعات ٧٩/ ٣٠] أي بسطها، والطحو كالدحو وهو البسط، ثم مكّن الناس من الانتفاع بها ظاهرا بالنبات، وباطنا بالمعادن والثروات. ونظير الآية : الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً، وَالسَّماءَ بِناءً [البقرة ٢/ ٢٢].
وختم الأشياء المحلوف بها بالنفس البشرية التي خلقت هذه الأشياء من أجلها، وكونها أداة الانتفاع بها ووسيلة ترقي الحياة وتقدمها، فقال :
٧- وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها أي وأقسم بالنفس الإنسانية، والذي خلقها سوية، مستقيمة، على الفطرة القويمة، وتسويتها : إعطاء قواها بحسب حاجتها إلى تدبير البدن، وهي الحواس الظاهرة والباطنة، والقوى الطبيعية، أي تعديل أعظائها، وتزويدها بطاقات وقوى ظاهرية وباطنية متعددة، وتحديد وظيفة لكل عضو فيها.
ثم إنه تعالى عرّف هذه النفس وأفهمها ما هو شر وفجور، وما هو خير وتقوى، وما فيهما من قبح وحسن، لتمييز الخير من الشر، كما قال تعالى : وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد ٩٠/ ١٠] أي علمناه وعرفناه سلوك طريقي الخير والشر. ويعضده ما بعده : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها.
وهذا قول المعتزلة، وقال أهل السنة : الضميران في قوله تعالى : فَأَلْهَمَها وقوله : وَهَدَيْناهُ للَّه تعالى، والمعنى : قد سعدت نفس زكاها اللَّه تعالى، وخلقها طاهرة، وخابت نفس دسّاها اللَّه، وخلقها كافرة فاجرة (١).
والظاهر التفسير الأول، بدليل ما قال ابن كثير : فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها : أي فأرشدها إلى فجورها وتقواها، أي بيّن لها ذلك، وهداها إلى ما قدّر لها (٢). وقال ابن عباس : فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها بيّن لها الخير والشر (٣). وهذا دليل على مبدأ الاختيار للإنسان.
ثم ذكر اللَّه تعالى جزاء ما تختاره النفس، فقال : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها أي قد فاز بكل مطلوب، وظفر بكل محبوب من زكى نفسه فهذبها ونمّاها وأعلاها بالتقوى والعمل الصالح، وقد خسر من أضل نفسه وأغواها وأهملها وأخملها، ولم يهذبها، ولم يتعهدها بالطاعة والعمل الصالح. وهذا جواب القسم الذي افتتحت به السورة.

(١) - وهذا قول سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومقاتل والكلبي
(٢) - تفسير ابن كثير : ٤/ ٥١٦
(٣) - المرجع السابق، وهذا أيضا قول مجاهد وقتادة والضحاك والثوري.


الصفحة التالية
Icon