ثم يبين ما عوقبوا به، فيقول : فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ، فَسَوَّاها، وَلا يَخافُ عُقْباها أي فأطبق عليهم العذاب وأهلكهم، وغضب عليهم فدمر عليهم، فسوّى الدمدمة عليهم، وعمّهم بها، أي فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء، فاستوت على صغيرهم وكبيرهم. قال قتادة : بلغنا أن أحيمر ثمود لم يعقر الناقة حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، فلما اشترك القوم في عقرها، دمدم اللَّه عليهم بذنبهم، فسواها.
وقد فعل اللَّه ذلك بهم، وأهلكهم، غير خائف هذا الأشقى من عاقبة ولا تبعة، أي فإنه تجرأ على عقر الناقة دون أن يخاف الذي عقرها عاقبة إهلاك قومه، وعاقبة ما صنع، والمراد بذلك أنه أقدم على عقرها، وهو كالآمن من نزول الهلاك به وبقومه.
وقال ابن عباس : لا يخاف اللَّه من أحد تبعة. قال ابن كثير : وهذا القول أولى لدلالة السياق عليه. وقال أبو حيان : الظاهر عود الضمير إلى أقرب مذكور، وهو رَبُّهُمْ أي لا درك عليه تعالى في فعله بهم، لا يسأل عما يفعل، قال ابن عباس والحسن، وفيه ذم لهم وتعقبة لآثارهم. والمراد أن اللَّه لا يخاف عاقبة ما فعل بهم لأنه عادل في حكمه. وقال الزمخشري : ولا يخاف اللَّه عاقبتها وتبعتها، كما يخاف كل معاقب من الملوك، فيبقي بعض الإبقاء. ويجوز أن يكون الضمير لثمود، على معنى : فسوّاها بالأرض أو في الهلاك، ولا يخاف عقبى هلاكها.
وعَنْ قَتَادَةَ،"أَنَّ ثَمُودَاً، لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَةَ، تَغَامَزُوا وَقَالُوا : عَلَيْكُمُ الْفَصِيلُ، فَصَعِدَ الْفَصِيلُ الْقَارَةَ جَبَلاً، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي، يَا رَبِّ أُمِّي، يَا رَبِّ أُمِّي، فَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الصَّيْحَةُ عِنْدَ ذَلِكَ". (١)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ :"فَانْطَلَقُوا، فَرَصَدُوا النَّاقَةَ حَتَّى صَدَرَتْ عَنِ الْمَاءِ، وَقَدْ كَمَنَ لَهَا قِدَارٌ فِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَلَى طَرِيقِهَا، وَكَمَنَ لَهَا مِصْدَعٌ فِي أَصْلِ أُخْرَى، فَمَرَّتْ عَلَى مِصْدَعٍ، فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ، فَانْتَظَمَ بِهِ عَضَلَةَ سَاقِهَا، قَالَ : فَشَدَّ يَعْنِي قِدَارٌ عَلَى النَّاقَةِ بِالسَّيْفِ، فَكَشَفَ عُرْقُوبَهَا، فَخَرَّتْ وَرَغَتْ رُغَاةً وَاحِدًا تُحَذِّرُ سُقْبَهَا، ثُمَّ طَعَنَ فِي لَبَّتِهَا فَنَحَرَهَا، وَانْطَلَقَ سُقْبُهَا حَتَّى أَتَى جَبَلاً مَنِيعًا، ثُمَّ أَتَى صَخْرَةً فِي رَأْسِ الْجَبَلِ، فَرَغَا ثُمَّ لاذَ بِهَا، فَأَتَاهُمْ صَالِحٌ : فَلَمَّا رَأَى النَّاقَةَ قَدْ عُقِرَتْ بَكَى، ثُمَّ قَالَ : انْتَهَكْتُمْ حُرْمَةَ اللَّهِ، فَأَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَنِقْمَتِهِ". (٢)
ومضات :
الناقة المذكورة قد وصفت بناقة اللّه وهذا يعني أنها معجزة ربانية ظهرت على يد نبي ثمود جوابا على تحديهم. وقد تكرر ذكرها في مواضع عديدة من القرآن المكي. والمفسرون يذكرون استنادا إلى الروايات أن الناقة خرجت من بطن صخرة، كما يذكرون بيانات كثيرة عن جسمها
(٢) - تفسير ابن أبي حاتم - (٦ / ١٠٠) (٨٧٠٧)