والدمدمة الغضب وما يتبعه من تنكيل. واللفظ ذاته.. ﴿ دمدم ﴾ يوحي بما وراءه، ويصور معناه بجرسه، ويكاد يرسم مشهداً مروعاً مخيفاً! وقد سوى الله أرضهم عاليها بسافلها، وهو المشهد الذي يرتسم بعد الدمار العنيف الشديد..
﴿ ولا يخاف عقباها ﴾.. سبحانه وتعالى.. ومن ذا يخاف؟ وماذا يخاف؟ وأنى يخاف؟ إنما يراد من هذا التعبير لازمه المفهوم منه. فالذي لا يخاف عاقبة ما يفعل، يبلغ غاية البطش حين يبطش. وكذلك بطش الله كان : إن بطش ربك لشديد. فهو إيقاع يراد إيحاؤه وظله في النفوس..
وهكذا ترتبط حقيقة النفس البشرية بحقائق هذا الوجود الكبيرة، ومشاهدة الثابتة، كما ترتبط بهذه وتلك سنة الله في أخذ المكذبين والطغاة، في حدود التقدير الحكيم الذي يجعل لكل شيء أجلاً، ولكل حادث موعداً، ولكل أمر غاية، ولكل قدر حكمة، وهو رب النفس والكون والقدر جميعاً.. (١)
ما ترشد إليه الآياتُ
١- بيان أن نجاة العبد من النار ودخوله الجنة متوقف على زكاة نفسه وتطهيرها من أوضار الذنوب والمعاصي، وأن شقاء العبد وخسرانه سببه تدنيسه نفسه بالشرك والمعاصي وكل هذا من سنن الله تعالى في الأسباب والمسببات.
٢- التحذير من الطغيان وهو الإِسراف في الشر والفساد فإِنه مهلك ومدمر وموجب للهلاك والدمار في الدنيا والعذاب في الآخرة.
٣- تسلية الرسول - ﷺ - والتخفيف عنه إذ كذبت قبل قريش ثمود وغيرها من الأمم كأصحاب مدين وقوم لوط وفرعون.
٤- انذرا كفار قريش عاقبة الشرك والتكذيب والمعاصي من الظلم والاعتداء.
٥-هذا خبر قاطع من اللَّه العلي القدير، أخبرنا به عن قبيلة ثمود التي تجاوزت الحد بطغيانها وهو خروجها عن الحد في العصيان. وذلك حين نهض أشقاها لعقر الناقة، واسمه قدار بن سالف.
ولكنّ رسولهم صالحا عليه السلام حذرهم عاقبة فعلهم، وقال لهم : احذروا عقر ناقة اللَّه، وذروها، كما قال : هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً، فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ، وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ، فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [الأعراف ٧/ ٧٣] وذروها وشربها المخصص لها في يومها. فإنهم لما

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٩١٩)


الصفحة التالية
Icon