* وختمت السورة بذكر نموذج للمؤمن الصالح، الذي ينفق ماله في وجوه الخير، ليزكي نفسه ويصونها من عذاب الله، وضربت المثل بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، حين اشترى بلالا وأعتقه في سبيل الله [ وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى ]. (١)
مقصودها الدلالة على مقصود الشمس، وهو التصرف التام في النفوس بإثبات كمال القدرة بالاختيار باختلاف الناس في السعي مع اتحاد مقاصدهم، وزهي الوصول إلى الملاذ من شهوة البطن والفرج وما يتبع ذكلك من الراحة، واسمها الليل أوضح ما فيها على ذلك بتأمل القسم والجواب، والوقوع من ذلك على الصواب، وأيضا ليل نفسه دال على ذلك لأنه على غير مراد النفس بما فيه من الظلام والنوم الذي هو أخو الموت، وذلك مانع عن أكثر المرادات، ومقتضى لأكثر المضادات ) بسم الله ( الذي له العظمة الظاهرة والحكمة الباهرة ) الرحمن ( الذي شملت نعمته إيجاده وبيانه المتواترة ) الرحيم ( الذي خص من أراده بما يرضيه، فجعله حامده وشاكره. (٢)
في إطار من مشاهد الكون وطبيعة الإنسان تقرر السورة حقيقة العمل والجزاء. ولما كانت هذه الحقيقة منوعة المظاهر :﴿ إن سعيكم لشتى. فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾.. وكانت العاقبة كذلك في الآخرة مختلفة وفق العمل والوجهة :﴿ فأنذرتكم ناراً تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى. وسيجنبها الأتقى، الذى يؤتي ماله يتزكى.. ﴾.
لما كانت مظاهر هذه الحقيقة ذات لونين، وذات اتجاهين.. كذلك كان الإطار المختار لها في مطلع السورة ذا لونين في الكون وفي النفس سواء :﴿ والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى ﴾.. ﴿ وما خلق الذكر والأنثى ﴾.. وهذا من بدائع التناسق في التعبير القرآني. (٣)
فضلها :
قَالَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىَّ يَقُولُ : أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ لَهُ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ فَوَافَقَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يُصَلِّى الْمَغْرِبَ، فَتَرَكَ نَاضِحَيْهِ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ لَيُصَلِّىَ مَعَهُ، فَقَرَأَ مُعَاذٌ الْبَقَرَةَ، أَوِ النِّسَاءَ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ، وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ. فَأَتَى النَّبِىَّ - ﷺ - فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا فَقَالَ النَّبِىُّ - ﷺ - :« أَفَاتِنٌ أَنْتَ أَوْ قَالَ أَفَتَّانٌ أَنْتَ ثَلاَثَ مِرَارٍ. فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٤٩٥)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٤٤٥)
(٣) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٩٢٠)


الصفحة التالية
Icon