وفى إطلاق الفعل « أعطى » من قيد الشيء المعطى ـ إشارة إلى أمرين :
أولهما : أن ما يعطى لا بد أن يكون شيئا طيبا نافعا لأن الإعطاء يقابله الأخذ، والإعطاء والأخذ لايتّمان إلا برغبة متبادلة بين المعطى والآخذ.. والآخذ لا يأخذ إلا ما ينفعه ويرضيه..
والأمر الآخر الذي يشير إليه إطلاق الفعل، هو أنه لا حدود للإعطاء، قلّة أو كثرة، كما يقول سبحانه :« ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ».. (٩١ : التوبة) وقوله تعالى :« فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » أي أن من أخذ طريق الحق، وشدّ عزمه عليه، وصرف همه نحوه، يسّر اللّه له طريقه، وأعانه على المضي فيه، لأنه طريق اللّه، ومن كان على طريق اللّه، لم يحرم عونه، وتوفيقه.. وقوله تعالى :« وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ».
وعلى عكس هذا من يبخل بماله، ويضنّ ببذله فى سبيل اللّه، وفى وجوه الخير، ومن وراء هذا البخل تكذيب بالإحسان، وبخس لقدره، واعتقاد بعدم جدواه ـ من يفعل هذا، فهو على طريق الضلال، يرصده عليه شيطان يغريه ويغويه، ويدفع به دفعا على هذا الطريق.. وهذا يعنى أن اللّه سبحانه وتعالى ييسّر لكل إنسان طريقه الذي يضع قدمه عليه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (٣٩ : الأنعام) أي من يشأ اللّه إضلاله، أخلى بينه وبين نفسه، على طريق الضلال، وقيض له شيطانا، فهو له قرين، ورفيق، على هذا الطريق كما يقول سبحانه :« وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ » (٣٦ : الزخرف).. ومن يشأ اللّه هدايته أقام وجهه على طريق الهدى، وزوده بالزاد الطيب الذي يعينه على مواصلة السير فيه.. وفى هذا يقول الرسول الكريم :« اعملوا فكلّ ميسر لما خلق له.. »
والعسرى : ضد اليسرى.. وهى من العسر، والتعقيد، بخلاف اليسرى فإنها من اليسر والسهولة.. وسميت طريق الضلال « عسرى » لأنها طريق مظلم، لا معلم من معالم الهدى فيه، وإن صاحبه ليظل يخبط فى ظلام، ويتردّى فى معاثر حتى يرد مورد الهالكين.. أما طريق الهدى، فهى طريق واضحة المعالم، لا يضل سالكها أبدا.. « أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (٢٢ : الملك)
وقوله تعالى :« وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى » أي أن الذي يخل بماله، وضمن بالإنفاق منه فى وجوه الخير، لن ينفعه هذا المال الذي أمسكه، ولن يجد منه عونا، إذا هو تردّى فى هاوية الجحيم!. (١)