والذكر والأنثى شاملان بعد ذلك للأنواع كلها غير الثدييات. فهي مطردة في سائر الأحياء ومنها النبات.. قاعدة واحدة في الخلق لا تتخلف. لا يتفرد ولا يتوحد إلا الخالق سبحانه الذي ليس كمثله شيء..
هذه بعض إيحاءات تلك المشاهد الكونية، وهذه الحقيقة الإنسانية التي يقسم الله سبحانه بها، لعظيم دلالتها وعميق إيقاعها. والتي يجعلها السياق القرآني إطاراً لحقيقة العمل والجزاء في الحياة الدنيا وفي الحياة الأخرى..
يقسم الله بهذه الظواهر والحقائق المتقابلة في الكون وفي الناس، على أن سعي الناس مختلف وطرقهم مختلفة، ومن ثم فجزاؤهم مختلف كذلك؛ فليس الخير كالشر، وليس الهدى كالضلال. وليس الصلاح كالفساد، وليس من أعطى واتقى كمن بخل واستغنى، وليس من صدق وآمن كمن كذب وتولى. وأن لكل طريقاً، ولكل مصيراً، ولكل جزاء وفاقاً :﴿ إن سعيكم لشتى. فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى، وما يغني عنه ماله إذا تردى ﴾..
إن سعيكم لشتى.. مختلف في حقيقته. مختلف في بواعثه. مختلف في اتجاهه. مختلف في نتائجه.. والناس في هذه الأرض تختلف طبائعهم، وتختلف مشاربهم، وتختلف تصوراتهم، وتختلف اهمتاماتهم، حتى لكأن كل واحد منهم عالم خاص يعيش في كوكب خاص.
هذه حقيقة. ولكن هناك حقيقة أخرى. حقيقة إجمالية تضم أشتات البشر جميعاً. وتضم هذه العوامل المتباينة كلها. تضمها في حزمتين اثنتين. وفي صفين متقابلين. تحت رايتين عامتين :﴿ من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ﴾.. و ﴿ من بخل واستغنى وكذب بالحسنى ﴾..
من أعطى نفسه وماله. واتقى غضب الله وعذابه. وصدق بهذه العقيدة التي إذا قيل ﴿ الحسنى ﴾ كانت اسماً لها وعلماً عليها.
ومن بخل بنفسه وماله. واستغنى عن الله وهداه. وكذب بهذه الحسنى..
هذان هما الصفان اللذان يلتقي فيهما شتات النفوس، وشتات السعي، وشتات المناهج، وشتات الغايات. ولكل منهما في هذه الحياة طريق.. ولكل منهما في طريقه توفيق!
﴿ فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى.. فسنيسره لليسرى ﴾..
والذي يعطي ويتقي ويصدق بالحسنى يكون قد بذل أقصى ما في وسعه ليزكي نفسه ويهديها. عندئذ يستحق عون الله وتوفيقه الذي أوجبه سبحانه على نفسه بإرادته ومشيئته.
والذي بدونه لا يكون شيء، ولا يقدر الإنسان على شيء.
ومن يسره الله لليسرى فقد وصل.. وصل في سر وفي رفق وفي هوادة.. وصل وهو بعد في هذه الأرض. وعاش في يسر. يفيض اليسر من نفسه على كل ما حوله وعلى كل من