- ﷺ - وتواسيه وتوجهه إلى الاستعاذة بربه من كل شر، كسور الضحى. والانشراح. والكوثر. والفلق. والناس.. وهي سور قليلة على كل حال..
وهناك ظاهرة أخرى في الأداء التعبيري لهذا الجزء. هناك أناقة واضحة في التعبير، مع اللمسات المقصودة لمواطن الجمال في الوجود والنفوس، وافتنان مبدع في الصور والظلال والإيقاع الموسيقي والقوافي والفواصل، تتناسق كلها مع طبيعته في خطاب الغافلين النائمين السادرين، لإيقاظهم واجتذاب حسهم وحواسهم بشتى الألوان وشتى الإيقاعات وشتى المؤثرات.. يتجلى هذا كله بصورة واضحة في مثل تعبيره اللطيف عن النجوم التي تخنس وتتوارى كالظباء في كناسها وتبرز، وعن الليل وكأنه حي يعس في الظلال، والصبح وكأنه حي يتنفس بالنور :﴿ فلا أقسم بالخنس. الجوار الكنس؛ والليل إذا عسعس. والصبح إذا تنفس ﴾ وفي عرضه لمشاهد الغروب والليل والقمر :﴿ فلا أقسم بالشفق، والليل وما وسق، والقمر إذا اتسق ﴾ أو لمشاهد الفجر والليل وهو يتمشى ويسري :﴿ والفجر. وليال عشر. والشفع والوتر. والليل إذا يسر ﴾ ﴿ والضحى. والليل إذا سجى ﴾ وفي خطابه الموحي للقلب البشري :﴿ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم؟ الذي خلقك فسواك فعدلك.. ﴾ وفي وصف الجنة :﴿ وجوه يومئذ ناعمة، لسعيها راضية، في جنة عالية، لا تسمع فيها لاغية.. ﴾ ووصف النار :﴿ وأما من خفت موازينه فأمه هاوية. وما أدراك ماهيه؟ نار حامية! ﴾ والأناقة في التعبير واضحة وضوح القصد في اللمسات الجمالية لمشاهد الكون وخوالج النفس.
والعدول أحياناً عن اللفظ المباشر إلى الكناية، وعن اللفظ القريب إلى الاشتقاق البعيد، لتحقيق التنغيم المقصود، مما يؤكد هذه اللفتة خلال الجزء كله على وجه التقريب..
وهذه السورة نموذج لاتجاه هذا الجزء بموضوعاته وحقائقه وإيقاعاته ومشاهده وصوره وظلاله وموسيقاه ولمساته في الكون والنفس، والدنيا والآخرة؛ واختيار الألفاظ والعبارات لتوقع أشد إيقاعاتها أثراً في الحس والضمير.
وهي تفتتح بسؤال موح مثير للاستهوال والاستعظام وتضخيم الحقيقة التي يختلفون عليها، وهي أمر عظيم لا خفاء فيه، ولا شبهة؛ ويعقب على هذا بتهديدهم يوم يعلمون حقيقته :﴿ عم يتساءلون؟ عن النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون. كلا سيعلمون. ثم كلا سيعلمون! ﴾ ومن ثم يعدل السياق عن المعنى في الحديث عن هذا النبأ ويدعه لحينه، ويلفتهم إلى ما هو واقع بين أيديهم وحولهم، في ذوات أنفسهم وفي الكون حولهم من أمر عظيم، يدل على ما وراءه ويوحي بما سيتلوه :{ ألم نجعل الأرض مهاداً، والجبال أوتاداً؟ وخلقناكم أزواجاً؟ وجعلنا