لقد ولدت يتيماً فآواك إليه، وعطف عليك القلوب حتى قلوب عمك أبي طالب وهو على غير دينك!
ولقد كنت فقيراً فأغنى الله نفسك بالقناعة، كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك ( خديجة رضي الله عنها ) عن أن تحس الفقر، أو تتطلع إلى ما حولك من ثراء!
ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد، منحرفة السلوك والأوضاع، فلم تطمئن روحك إليها. ولكنك لم تكن تجد لك طريقاً واضحاً مطمئناً. لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا وتاهوا.. ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك، وبالمنهج الذي يصلك به.
والهداية من حيرة العقيدة وضلال الشعاب فيها هي المنة الكبرى، التي لا تعدلها منة؛ وهي الراحة والطمأنينة من القلق الذي لا يعدله قلق؛ ومن التعب الذي لا يعدله تعب، ولعلها كانت بسبب مما كان رسول الله - ﷺ - يعانيه في هذه الفترة، من انقطاع الوحي وشماتة المشركين ووحشة الحبيب من الحبيب. فجاءت هذه تذكره وتطمئنه على أن ربه لن يتركه بلا وحي في التيه وهو لم يتركه من قبل في الحيرة والتيه!
وبمناسبة ما ذكره ربه بإيوائه من اليتم، وهدايته من الحيرة وإغنائه من العيلة.. يوجهه ويوجه المسلمين من ورائه إلى رعاية كل يتيم، وإلى كفاية كل سائل، وإلى التحدث بنعمة الله الكبرى عليه، وفي أولها : الهداية إلى هذا الدين :﴿ فأما اليتيم فلا تقهر. وأما السائل فلا تنهر. وأما بنعمة ربك فحدث ﴾..
وهذه التوجيهات إلى إكرام اليتيم والنهي عن قهره وكسر خاطره وإذلاله، وإلى إغناء السائل مع الرفق به والكرامة، كانت كما ذكرنا مراراً من أهم إيحاءات الواقع في البيئة الجاحدة المتكالبة، التي لا ترعى حق ضعيف، غير قادر على حماية حقه بسيفه! حيث رفع الإسلام هذه البيئة بشرعة الله إلى الحق والعدل، والتحرج والتقوى، والوقوف عند حدود الله، الذي يحرس حدوده ويغار عليها ويغضب للاعتداء على حقوق عباده الضعاف الذين لا يملكون قوة ولا سيفا يذودون به عن هذه الحقوق.
وأما التحدث بنعمة الله وبخاصة نعمة الهدى والإيمان فهو صورة من صور الشكر للمنعم. يكملها البر بعباده، وهو المظهر العملي للشكر، والحديث الصامت النافع الكريم.. (١)
ما ترشد إليه الآياتُ
١ - مكانة النبي - ﷺ -.