وأى مكانة أرفع من أن يكون له في كل ركن في الأرض أتباع وأنصار يدينون للنبي بالطاعة والولاء ؟
ألم تر إلى الصحابة وهم يتسابقون إلى مجلسه والتمتع بحلو حديثه، والاستشفاء بمخالفاته ؟ تلك بعض نعمه على رسوله، واللّه أعلم بغيرها.
نعم ما قد شرح اللّه صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره ليس في الأرض فقط، بل عند سدرة المنتهى، عند جنة المأوى، وكان هذا كله بعد أن لحق بالنبي ما لحق من أذى قومه وعنتهم، حتى ضاق صدره، ولا عجب في ذلك، فإن مع العسر يسرا : وانظر إلى قوله : مع العسر، ثم إلى قوله : يسرا، أى : بالتنكير، وكما يقول الرسول - ﷺ - : لن يغلب عسر يسرين، أما العسر الذي كان عند النبي - ﷺ - والصحابة فهو الفقر وقلة الصديق، وقوة العدو وشدة مقاومته، وقد جاءهم اليسر فكثر المال والصديق، وضعف قوة العدو، وأما قوة المؤمنين الذين اشترى اللّه منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، يحبون إخوانهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، إن قتلوا فهم الشهداء، وإن عاشوا فهم السعداء، فقد كانت - ولا تزال - مضرب الأمثال.
وهل كل عسر يعقبه يسر كما هو ظاهر في القرآن ؟ الظاهر - واللّه أعلم - أنه كذلك متى سار صاحب العسر على سنن اللّه الكونية، فتذرع بالصبر، واستعد للمقاومة وصابر نفسه وصبر على المكروه، وعمل على التخلص منه، عند ذلك يرزق اليسر، بأى شكل وعلى أى وجه، أما إذا حقت كلمة اللّه فإن صاحب العسر يتخبط في سيره، فينطبق عليه قوله تعالى : كُلُّ شَيْ ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ والأمر كله أولا وأخيرا للّه، والمشاهد أن مع العسر يسرا، ولكن اليسر يختلف تبعا لحكم يعلمها اللّه، وانظر إلى التربية القرآنية، وإلى النصيحة الإلهية للحبيب المصطفى، وكذلك كل فرد يريد أن يهتدى بنور القرآن. فإذا فرغت من أى عمل خير فانصب في غيره واعمل على تحقيقه بتوفيق اللّه، وإلى اللّه وحده فارغب، وعليه وحده فتوكل، فإنه نعم المولى، ونعم النصير. (١)
التفسير والبيان :
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ أي قد شرحنا لك صدرك لقبول النبوة، وتحمل أعبائها، وحفظ الوحي. قال الرازي : وقد استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار، فأفاد إثبات الشرح وإيجابه، فكأنه قيل : شرحنا لك صدرك. والأولى أن يقال كما بينا : الاستفهام تقريري، يراد به إثبات الشرح.

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٧٦)


الصفحة التالية
Icon