إن العسر لا يخلو من يسر يصاحبه ويلازمه. وقد لازمه معك فعلاً. فحينما ثقل العبء شرحنا لك صدرك، فخف حملك، الذي أنقض ظهرك. وكان اليسر مصاحباً للعسر، يرفع إصره، ويضع ثقله.
وإنه لأمر مؤكد يكرره بألفاظه :﴿ فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا ﴾.. وهذا التكرار يشي بأن الرسول - ﷺ - كان في عسرة وضيق ومشقة، اقتضت هذه الملاحظة، وهذا التذكير، وهذا الاستحضار لمظاهر العناية، وهذا الاستعراض لمواقع الرعاية، وهذا التوكيد بكل ضروب التوكيد.. والأمر الذي يثقل على نفس محمد هكذا لا بد أنه كان أمراً عظيماً..
ثم يجيء التوجيه الكريم لمواقع التيسير، وأسباب الانشراح، ومستودع الري والزاد في الطريق الشاق الطويل :﴿ فإذا فرغت فانصب. وإلى ربك فارغب ﴾..
إن مع العسر يسرا.. فخذ في أسباب اليسر والتيسير. فإذا فرغت من شغلك مع الناس ومع الأرض، ومع شواغل الحياة.. إذا فرغت من هذا كله فتوجه بقلبك كله إذن إلى ما يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد.. العبادة والتجرد والتطلع والتوجه.. ﴿ وإلى ربك فارغب ﴾.. إلى ربك وحده خالياً من كل شيء حتى من أمر الناس الذين تشتغل بدعوتهم.. إنه لا بد من الزاد للطريق. وهنا الزاد. ولا بد من العدة للجهاد. وهنا العدة.. وهنا ستجد يسرا مع كل عسر، وفرجاً مع كل ضيق.. هذا هو الطريق!
وتنتهي هذه السورة كما انتهت سورة الضحى، وقد تركت في النفس شعورين ممتزجين : الشعور بعظمة الود الحبيب الجليل الذي ينسم على روح الرسول - ﷺ - من ربه الودود الرحيم. والشعور بالعطف على شخصه - ﷺ - ونحن نكاد نلمس ما كان يساور قلبه الكريم في هذه الآونة التي اقتضت ذلك الود الجميل.
إنها الدعوة. هذه الأمانة الثقيلة وهذا العبء الذي ينقض الظهر. وهي مع هذا وهذا مشرق النور الإلهي ومهبطه، ووصلة الفناء بالبقاء، والعدم بالوجود! (١)
ما ترشد إليه الآياتُ
١- بيان ما أكرم الله تعالى به رسوله محمداً - ﷺ - من شرح صدره ومغفرة ذنوبه ورفع ذكره
فهذه باقة أخرى من نعم اللَّه على نبيه المصطفى - ﷺ -، بالإضافة لما ذكر في سورة الضحى السابقة، وهي :
أولا- شرح الصدر، أي جعله فسيحا رحيبا، قويا عظيما لتحمل أعباء النبوة والرسالة.

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٩٣٠)


الصفحة التالية
Icon