القادر على كل موجود، ولقد كرر الأمر بالقراءة لأنها تحصل للإنسان العادي بالتكرار. وتكون للمصطفى - ﷺ - بتكرير الأمر، وإذا كان اللّه أكرم من كل كريم، أفيصعب عليه أن يهبك نعمة القراءة وحفظ القرآن وأنت لم تأخذ بأسبابها العادية، اقرأ إن شئت قوله تعالى : إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [سورة القيامة آية ٦٧] سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [سورة الأعلى آية ٦].
اقرأ وربك الأكرم الذي علم الناس كيف يتفاهمون بالقلم مع بعد المسافة، وطول الزمن، وهذا بيان لمظهر من مظاهر القدرة والعلم عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ نعم لقد أودع اللّه في الإنسان من الغرائز والتفكير ما جعله يبحث ويستقصى، ويجرب حتى وصل إلى معرفة أسرار الكون، وطبائع الأشياء فاستخدم كل هذا له وسخره لإرادته خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة ٢٩] وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [البقرة ٣١].
ترى أن اللّه أمر نبيه بالقراءة عامة وخاصة القرآن ثم بين له أن هذا أمر ممكن بالنسبة للّه الذي خلق الخلق، وخلق الإنسان من علق، وهو الكريم الذي لا يبخل وخاصة على رسوله، وهو الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم. (١)
التفسير والبيان :
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ أي اقرأ مبتدئا باسم ربّك، أو مستعينا باسم ربّك، الذي أوجد وخلق كل شي ء. وقد وصف اللَّه لنا نفسه بأنه الخالق للتذكير بأول النعم وأعظمها. والمراد : الأمر من اللَّه لنبيّه بأن يصير قارئا، بقدرة اللَّه الذي خلقه وإرادته، وإن لم يكن من قبل قارئا ولا كاتبا، فمن خلق الكون قادر على أن يوجد فيه القراءة، وإن لم يتعلمها سابقا.
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ أوجد بني آدم من قطعة دم جامد وهي العلقة، التي هي طور من أطوار خلق الجنين، فإنه يبدأ نطفة، ثم يتحول بقدرة اللَّه إلى علقة : وهي كأنها قطعة من الدم الجامد، ثم يكون مضغة : وهي كأنها قطعة لحم، ثم يظهر فيها بقية التخليق من عظام، فلحم، فإنسان كامل الخلقة.
ويلاحظ أنه تعالى أطلق الخلق أولا ليتناول كل المخلوقات، ثم خصّ الإنسان بالذّكر لشرفه، أو لعجيب فطرته، أو لأن الآية سيقت من أجله.
وإنما قال : باسم ربّك، ولم يقل : باسم اللَّه كما في التسمية المعروفة : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لأن الربّ : من صفات الفعل، واللَّه : من أسماء الذات، وبما أنه أمره بالعبادة، وصفات الذات لا تستوجب شيئا، وإنما يستوجب العبادة صفات الفعل، فكان ذلك أبلغ في الحثّ على