ثم ردع الإنسان على طغيانه حال الغنى، فقال : كَلَّا، إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى أي ارتدع وانزجر أيها الإنسان، عن كفرك بنعمة اللَّه عليك، وتجاوزك الحدّ في العصيان، لأن رأيت نفسك مستغنيا بالمال والقوة والأعوان.
وقيل : المراد بالآية : حقا إن أمر الإنسان عجيب، يستذل ويضعف حال الفقر، ويطغى ويتجاوز الحدّ في المعاصي ويتكبّر ويتمرد حتى أحسّ بنفسه القدرة والثروة. وأكثر المفسرين على أن المراد بالإنسان هنا أبو جهل وأمثاله.
ثم أنذر بالعقاب في الآخرة، فقال : إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى أي إن الرجوع والمصير إلى اللَّه وحده، لا إلى غيره، فهو الذي يحاسب كل إنسان على ماله من أين جمعه، وأين صرفه.
ويلاحظ أن هذا الكلام جاء على طريقة الالتفات إلى خطاب الإنسان، تهديدا له، وتحذيرا من عاقبة الطغيان.
عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ :" مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ : مَنْهُومٌ فِي الْعِلْمِ لَا يَشْبَعُ مِنْهُ، وَمَنْهُومٌ فِي الدُّنْيَا لَا يَشْبَعُ مِنْهَا، فَمَنْ تَكُنِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ، وَبَثَّهُ، وَسَدَمَهُ، يَكْفِي اللَّهُ ضَيْعَتَهُ، وَيَجْعَلُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَمَنْ تَكُنِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، وَبَثَّهُ، وَسَدَمَهُ، يُفْشِي اللَّهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَجْعَلُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ لَا يُصْبِحُ إِلَّا فَقِيرًا، وَلَا يُمْسِي إِلَّا فَقِيرًا " (١)
وعَنْ عَوْنٍ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ : صَاحِبُ الْعِلْمِ، وَصَاحِبُ الدُّنْيَا، وَلَا يَسْتَوِيَانِ. أَمَّا صَاحِبُ الْعِلْمِ، فَيَزْدَادُ رِضًا لِلرَّحْمَنِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الدُّنْيَا، فَيَتَمَادَى فِي الطُّغْيَانِ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى قَالَ : وَقَالَ الْآخَرُ : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ " (٢)
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - :" مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ : مَنْهُومٌ فِي عِلْمٍ لَا يَشْبَعُ، وَمَنْهُومٌ فِي دُنْيَا لَا يَشْبَعُ " (٣).
وعَنِ الْقَاسِمِ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : آفَةُ الْحَدِيثِ النِّسْيَانُ، قَالَ : وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : مَنْهُوَمَانِ لَا يَشْبَعَانِ : طَالِبُ الْعِلْمِ وَصَاحِبُ الدُّنْيَا، وَلَا يسْتَوِيَانِ، أَمَّا صَاحِبُ الدُّنْيَا فَيتَمَادَى فِي الطُّغْيَانِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِلْمِ فَيزْدَادُ رِضَا الرَّحْمَنِ، قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ : إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى، وَقَالَ لِلْآخَرِ : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ " (٤)
ومضات :

(١) - سُنَنُ الدَّارِمِيِّ (٣٥١ ) صحيح
(٢) - سُنَنُ الدَّارِمِيِّ( ٣٥٢ ) صحيح لغيره
(٣) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (٢٨٦ ) صحيح
(٤) - الْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (٣٤٨ ) صحيح لغيره


الصفحة التالية
Icon