فكل ذلك داع لهم أن يعترفوا أن من قدر على كل هذا فلا تعجزه إعادتهم إلى النشأة الآخرة. (١)
كان المشركون يتساءلون عن البعث فيما بينهم. ويخوضون فيه إنكارا له واستهزاء بوقوعه، فرد اللّه عليهم بأسلوب الاستفهام تفخيما لشأن المسئول عنه وتهويلا، وإخراجا له عن دائرة علوم الخلق.
عن أى شيء يسألون « ١ » الرسول - ﷺ - والمؤمنين ؟ ! عن النبأ العظيم يتساءلون ؟ الذي هم فيه مختلفون فمنهم من هو جازم بعدم وقوعه ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا « ٢ » ومنهم من ينكره لأنه ينكر وجود اللّه... إلخ.
كلا! وهي كلمة ردع عن التساؤل والاختلاف في البعث مع وضوح الأدلة عليه.
كلا سيعلمون، أى : ليرتدعوا عما هم فيه فإنهم سيعلمون عما قريب حقيقة الحال إذا حل بهم العذاب والنكال. ثم كلا سيعلمون!! وها هي ذي بعض مظاهر القدرة وآيات الرحمة الدالة على قدرة اللّه على البعث وأنه صاحب النعم : ألم « ١ » نجعل الأرض فراشا ممهدا ليعيش عليها الإنسان عيشة سعيدة ؟ (٢)
التفسير والبيان :
ينكر اللّه تعالى على المشركين تساؤلهم عن يوم القيامة إنكارا لوقوعها، فيقول : عَمَّ يَتَساءَلُونَ، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ، الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ أي عن أي شيء يتساءل المشركون من أهل مكة وغيرهم فيما بينهم ؟ ثم أجاب اللّه تعالى عن هذا السؤال بقوله : عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ أي عن الخبر المهم الهائل، العظيم الشأن الذي اختلفوا في أمره، بين مكذّب ومصدّق، وكافر ومؤمن به، ومنكر ومقرّ، وشاكّ ومثبت، وهو يوم البعث بعد الموت، كما حكى اللّه عنهم بقوله : إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا، نَمُوتُ وَنَحْيا، وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [المؤمنون ٢٣/ ٣٧] وقوله : ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ، إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا، وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية ٤٥/ ٣٢].
وقال مجاهد في تفسير النبأ العظيم : هو القرآن، قال ابن كثير : والأظهر الأول أي أنه البعث بعد الموت لقوله تعالى : الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ وقال الرازي : إنه يوم القيامة، وهو الأقرب.
والمراد من الاستفهام تفخيم الأمر وتعظيمه وتعجيب السامعين من أمر المشركين. وإيراد الكلام في صورة السؤال والجواب، أقرب- كما قال الرازي- إلى التفهيم والإيضاح، وتثبيت الجواب في نفوس الناس السائلين، كما في قوله تعالى : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ، لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر ٤٠/ ١٦].

(١) - تفسير المراغي - (١ / ٥٣٦١)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨١١)


الصفحة التالية
Icon