صَلَّيْتَ، وَمَا لَعَنْتَ مِنْ لَعْنَةٍ، فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ، أَنْتَ وَليى فى الدُّنْيَا والآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَألْحِقْنِى بالصَّالِحِينَ، اللهُمَّ فَاطِرَ السَّماواتِ والأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهادَةِ، ذَا الجَلاَلِ والإكْرَامِ. فَإنِّى أعْهَدُ إلَيْكَ فى هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأُشْهِدُكَ - وَكَفَى بِكَ شَهِيداً - بِأَنِّى أشْهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ أنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ، لَكَ المُلْكُ، وَلَكَ الحَمْدُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَشْهَدُ أنَّ وَعْدَكَ حَقٌ، وَلِقَاءَكَ حَقٌ، وَالسَّاعَةُ حَقٌ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّكَ تَبْعَثُ مَنْ فى القُبُورِ، وَأشْهَدُ أنَّكَ إنْ تَكِلْنِى إلى نَفْسِى تَكِلْنِى إلى ضَعْفٍ وَعَوْرَةٍ وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، وَإنِّى لاَ أثِقُ إلاَّ برَحْمَتِكَ، فَاغْفِرْ لِى ذُنُوبِى كُلَّهَا إنه لاَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ إلاَّ أنْتَ، وَتُبْ عَلىَّ إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمٍُ". (١)
وهكذا كانت حياته كلها - ﷺ - بدقائقها متأثرة بهذا التوجيه الإلهي الذي تلقاه في اللحظة الأولى.
وقام به تصوره الإيماني على قاعدته الأصيلة العريقة..
ولقد كان من مقتضيات تلك الحقيقة : حقيقة أن الله هو الذي خلق. وهو الذي علم. وهو الذي أكرم. أن يعرف الإنسان. ويشكر. ولكن الذي حدث كان غير هذا، وهذا الانحراف هو الذي يتحدث عنه المقطع الثاني للسورة :﴿ كلا! إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى. إن إلى ربك الرجعى ﴾..
إن الذي أعطاه فأغناه هو الله. كما أنه هو الذي خلقه وأكرمه وعلمه. ولكن الإنسان في عمومه لا يستثنى إلا من يعصمه إيمانه لا يشكر حين يُعطى فيستغني؛ ولا يعرف مصدر النعمة التي أغنته، وهو المصدر الذي أعطاه خلقه وأعطاه علمه.. ثم أعطاه رزقه.. ثم هو يطغى ويفجر، ويبغي ويتكبر، من حيث كان ينبغي أن يعرف ثم يشكر.
وحين تبرز صورة الإنسان الطاغي الذي نسي نشأته وأبطره الغنى، يجيء التعقيب بالتهديد الملفوف :﴿ إن إلى ربك الرجعى ﴾ فأين يذهب هذا الذي طغى واستغنى؟
وفي الوقت ذاته تبرز قاعدة أخرى من قواعد التصور الإيماني. قاعدة الرجعة إلى الله. الرجعة إليه في كل شيء وفي كل أمر، وفي كل نية، وفي كل حركة. فليس هناك مرجع سواه. إليه يرجع الصالح والطالح. والطائع والعاصي. والمحق والمبطل. والخير والشّرير. والغني والفقير.. وإليه يرجع هذا الذي يطغى أن رآه استغنى. ألا إلى الله تصير الأمور.. ومنه النشأة وإليه المصير..
وهكذا تجتمع في المقطعين أطراف التصور الإيماني.. الخلق والنشأة. والتكريم والتعليم.. ثم.. الرجعة والمآب لله وحده بلا شريك :﴿ إن إلى ربك الرجعى ﴾.. (٢)
(٢) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٩٣٨)