قوله تعالى :« لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً، وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً ». هو بيان لما يتولد من هذا الماء المتدفق من السحب، فبهذا الماء يخرج اللّه الحب والنبات، ومنه يخرج هذه الجنات المتشابكة الأعصان، المتعانقة الأفنان..
واللّه سبحانه قادر على أن يخرج النبات من غير ماء، ولكن أقام سبحانه نظام الوجود على أسباب ومسببات.. فمنه سبحانه الأسباب، ومنه تبارك اسمه المسببات..
والحب : ما يقتات منه الناس، كالبرّ، والشعير، والذرة، والأرز، ونحوها..
والنبات : ما تأكل منه الأنعام، كالكلأ ونحوه..
فهذه بعض مظاهر قدرة اللّه.. أفلا يرى المشركون المكذبون بالبعث، المختلفون فيما يحدثهم به النبىّ عنه ـ أفلا يرون أن بعثهم لا يعجز هذه القدرة القادرة، التي أبدعت هذه الآيات، وأحكمت صنعها ؟ وألا يحدث ذلك لهم علما يرفع هذا الخلاف الذي هم فيه ؟ (١)
وفي الظلال :
مطلع فيه استنكار لتساؤل المتسائلين، وفيه عجب أن يكون هذا الأمر موضع تساؤل. وقد كانوا يتساءلون عن يوم البعث ونبأ القيامة. وكان هو الأمر الذي يجادلون فيه أشد الجدل، ولا يكادون يتصورون وقوعه، وهو أولى شيء بأن يكون!
﴿ عم يتساءلون؟ ﴾.. وعن أي شيء يتحدثون؟ ثم يجيب.
فلم يكن السؤال بقصد معرفة الجواب منهم. إنما كان للتعجيب من حالهم وتوجيه النظر إلى غرابة تساؤلهم، بكشف الأمر الذي يتساءلون عنه وبيان حقيقته وطبيعته :
﴿ عن النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون ﴾.. ولم يحدد ما يتساءلون عنه بلفظه، إنما ذكره بوصفه.. النبأ العظيم.. استطراداً في أسلوب التعجيب والتضخيم.. وكان الخلاف على اليوم بين الذين آمنوا به والذين كفروا بوقوعه. أما التساؤل فكان من هؤلاء وحدهم.
ثم لا يجيب عن التساؤل، ولا يدلي بحقيقة النبأ المسؤول عنه. فيتركه بوصفه.. العظيم.. وينتقل إلى التلويح بالتهديد الملفوف، وهو أوقع من الجواب المباشر، وأعمق في التخويف :
﴿ كلا! سيعلمون. ثم كلا! سيعلمون ﴾.. ولفظ كلا، يقال في الردع والزجر فهو أنسب هنا للظل الذي يراد إلقاؤه. وتكراره وتكرار الجملة كلها فيه من التهديد ما فيه.
ثم يبعد في ظاهر الأمر عن موضوع ذلك النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون. ليلتقي به بعد قليل. يبعد في جولة قريبة في هذا الكون المنظور مع حشد من الكائنات والظواهر والحقائق والمشاهد، تهز الكيان حين يتدبرها الجنان :{ ألم نجعل الأرض مهاداً؟ والجبال أوتاداً؟