، وهؤلاء عرفوه وكفروا به عنادا وحسدا من عند أنفسهم، ما كان هؤلاء وأولئك منفكين عن باطلهم حتى تأتيهم البينة الواضحة، والحجة الظاهرة التي تقصم ظهر الباطل، وما هي ؟ هي رسول من اللّه، وقد كان رسول اللّه نفسه بينة وحجة ظاهرة على أن دينه هو الحق، فهو الصادق الأمين صاحب الخلق القويم والمعجزات الناطقة بصدقه، والمنزل عليه القرآن الذي يتلوه، أى : يقرؤه مع كونه أميا، وقد كان النبي - ﷺ - يقرأ القرآن حفظا عن ظهر قلب.
يتلو صحفا - القرآن - مطهرة من كل عيب وزور وكذب، تلك الصحف فيها كتب قيمة لا عوج فيها ولا نقص، وما المراد بالكتب ؟ قيل : هي ما في القرآن مما بقي صحيحا من كتب موسى وإبراهيم مثلا، أو هي سور القرآن : وكأن كل سورة كتاب مستقل قائم بذاته، أو هي أحكام الإسلام وشرائعه، وعلى كل فهي كتب قيمة لا عوج فيها ولا باطل، ولا كذب ولا بهتان الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً. قَيِّماً [سورة الكهف الآيتان ١ و٢].
وهل انتهى الكفر بإرسال النبي حتى يصح قوله تعالى : حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ والجواب : إن إرسال النبي - ﷺ - كان صدمة للشرك زلزلت عقائد المشركين وفتحت قلوب الجهلاء الملتاثين، وأنارت الطريق حتى عرفت الحق من الباطل، فكانت بعثته حدا فاصلا بين عهدين، لهذا صح قوله :« حتى » ولكن لم يؤمن الكل بالنبي. بل بعضهم وقف من النبي موقف العناد يصد عن سبيل اللّه، ويحاول بكل ما أوتى من قوة وجهد أن يصرف الناس عن رسول اللّه، أراد اللّه أن يسلى الرسول ببيان أن كفر الناس وعنادهم طبيعة فيهم، وقد حصل لإخوانك الأنبياء مثلك، وتفرق الناس معهم واختلفوا في شأنهم بين مؤمن وكافر ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ولقد اختلف أهل الكتاب على أنبيائهم، وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءتهم البينة والحجة القائمة، أى : بعد إرسال الرسل إليهم. (١)
التفسير والبيان :
أرسل اللَّه تعالى رسوله محمدا - ﷺ - لجميع العالمين من الإنس والجن، ولجميع الأمم والشعوب في عصره والعصور التالية له، ولكل أهل الملل والأديان، حتى أهل الكتاب والمشركين الذين بعدوا عن الدين الصحيح، لذا قال تعالى : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ أي لم يكن الذين جحدوا رسالة النبي - ﷺ - وأنكروا نبوته، من اليهود والنصارى وعبدة الأصنام والأوثان من مشركي العرب وغيرهم، منتهين عما هم عليه من