وكون الصحف تحوى فى كيانها الكتب، مع أن العكس هو الصحيح، كما هو فى معهودنا، إشارة إلى أن صحف القرآن، هى بالنسبة إلى الكتب السماوية السابقة، كتب.. وأن الصحيفة، أو مجموعة الصحف منه تعادل كتابا من تلك الكتب إذ جمعت فى كلماتها المعجزة ما تفرق فى هذه الكتب.
وفى هذا ما يدل على قدر هذا القرآن العظيم، وأنه كان لهذا جديرا أن ينزل فى ليلة القدر، التي هى ليلة الزمن كله، كما أن هذا الكتاب هو شرع اللّه كله.
وقوله تعالى :« وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ». الخطاب هنا إلى أهل الكتاب جميعا، لا إلى الذين كفروا منهم.. فأهل الكتاب جميعا، هم فى هذا المقام فى مواجهة البينة.. وقد اختلف موقفهم منها، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر.. وهنا تفرق أمرهم، وأخلى الذين آمنوا منهم مكانهم فيهم..
والسؤال هنا : ألم يكن أهل الكتاب متفرقين قبل أن يأتيهم رسول اللّه، ويدعوهم إلى الإيمان باللّه ؟
ألم يكن منهم مؤمنون وكافرون، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى :« لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ.. » ؟. ألم يكن هذا الإخبار عنهم بهذا الوصف، قبل أن تأتيهم البينة ؟ فما تأويل هذا ؟
نقول ـ واللّه أعلم ـ إن أهل الكتاب، وإن كان فيهم المؤمنون الذين استقاموا على شريعة اللّه، كما جاء هم بها أنبياؤهم، غير متبعين ما دخل عليهم من تبديل وتحريف ـ إلا أن هؤلاء المؤمنين، هم فى مواجهة الشريعة الإسلامية غير مؤمنين، إذا لم يصلوا إيمانهم هذا، بالإيمان بدين اللّه (الإسلام) الذي كمل به الدين.. فالمؤمنون حقّا من أهل الكتاب، لا يجدون فى الإيمان بالإسلام حجازا يحجز بينهم وبينه، إذ كان دينهم بعضا من هذا الدين، وبعض الشيء ينجذب إلى كله، ولا يأخذ طريقا غير طريقه! فأهل الكتاب جميعا ـ المؤمنون منهم والكافرون ـ على سواء فى مواجهة الدين الإسلامى، كلّهم مدعوون إلى الإيمان به، فمن لم يؤمن به فهو كافر.
وأهل الكتاب، إذ دعوا إلى الإيمان بدين اللّه، تفرقوا، فآمن قليل منهم، وكفر كثير.. وهذا ما يشير إليه سبحانه وتعالى فى قوله :« الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ » (١٢١ : البقرة) وبقوله سبحانه :« الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ، وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ » (٥٢ ـ ٥٣ : القصص).
وأما المشركون، فقد انفكوا، وانفصلوا عن الكافرين من أهل الكتاب، بعد أن جاءتهم البينة إذ أنهم آمنوا باللّه، ودخلوا فى دين اللّه جميعا، بعد أن تلبثوا على طريق العناد والضلال! وقوله


الصفحة التالية
Icon