منزعجة، والقلب مروع. وكأنما هذا النعاس أحياناً لا يزيد على لحظات انقلاب تام في كيان هذا الفرد. وتجديد كامل لا لقواه بل له هو ذاته، وكأنما هو كائن حين يصحو جديد.. ولقد وقعت هذه المعجزة بشكل واضح للمسلمين المجهودين في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وامتن الله عليهم بها. وهو يقول :﴿ إذ يغشِّيكم النعاس أمنة منه ﴾ ﴿ ثم أنز ل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طآئفة منكم ﴾ كما وقعت للكثير في حالات مشابهة!
فهذا السبات : أي الانقطاع عن الإدراك والنشاط بالنوم ضرورة من ضرورات تكوين الحي؛ وسر من أسرار القدرة الخالقة؛ ونعمة من نعم الله لا يملك إعطاءها إلا إياه. وتوجيه النظر إليها على هذا النحو القرآني ينبه القلب إلى خصائص ذاته، وإلى اليد التي أودعتها كيانه، ويلمسه لمسة تثير التأمل والتدبر والتأثر.
وكان من تدبير الله كذلك أن جعل حركة الكون موافقة لحركة الأحياء. وكما أودع الإنسان سر النوم والسبات، بعد العمل والنشاط، فكذلك أودع الكون ظاهرة الليل ليكون لباساً ساتراً يتم فيه السبات والانزواء. وظاهرة النهار ليكون معاشاً تتم فيه الحركة والنشاط.. بهذا تَوافقَ خلق الله وتناسق. وكان هذا العالم بيئة مناسبة للأحياء. تلبي ما ركب فيهم من خصائص. وكان الأحياء مزودين بالتركيب المتفق في حركته وحاجاته مع ما هو مودع في الكون من خصائص وموافقات. وخرج هذا وهذا من يد القدرة المبدعة المدبرة متسقاً أدق اتساق!
واللمسة الثالثة في خلق السماء متناسقة مع الأرض والأحياء :﴿ وبنينا فوقكم سبعاً شداداً وجعلنا سراجاً وهاجاً. وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً. لنخرج به حباً ونباتاً، وجنات ألفافاً ﴾..
والسبع الشداد التي بناها الله فوق أهل الأرض هي السماوات السبع، وهي الطرائق السبع في موضع آخر.. والمقصود بها على وجه التحديد يعلمه الله.. فقد تكون سبع مجموعات من المجرات وهي مجموعات من النجوم قد تبلغ الواحدة منها مائة مليون نجم وتكون السبع المجرات هذه هي التي لها علاقة بأرضنا أو بمجموعتنا الشمسية. وقد تكون غير هذه وتلك مما يعلمه الله من تركيب هذا الكون، الذي لا يعلم الإنسان عنه إلا القليل.
إنما تشير هذه الآية إلى أن هذه السبع الشداد متينة التكوين، قوية البناء، مشدودة بقوة تمنعها من التفكك والانثناء. وهو ما نراه ونعلمه من طبيعة الأفلاك والأجرام فيما نطلق عليه لفظ السماء فيدركه كل إنسان.. كما تشير إلى أن بناء هذه السبع الشداد متناسق مع عالم الأرض والإنسان. ومن ثم يذكر في معرض تدبير الله وتقديره لحياة الأرض والإنسان. يدل على هذا ما بعده :﴿ وجعلنا سراجاً وهاجاً ﴾.. وهو الشمس المضيئة الباعثة للحرارة التي تعيش عليها الأرض وما فيها من الأحياء. والتي تؤثر كذلك في تكوين السحائب بتبخير المياه من المحيط الواسع في الأرض ورفعها إلى طبقات الجو العليا وهي المعصرات :{ وأنزلنا من المعصرات


الصفحة التالية
Icon