والقيام متأثراً ذلك الإخراج عن ذلك الزلزال، كما يتأثر عن زلزال البساط بالنفض إخراج ما في بطنه وطيه وغضونه من وسخ وتراب وغيره، وما كان على ظهرها فهو ثقل لعيها لأنها يعطيها الله قوة إخراج ذلك كله كما كان يعطيها قوة أن تخرج النبت الصغير اللطيف الطري الذي هو أنعم من الحرير فيشق الأرض الصلبة التي تكل عنها المعاول والحديد، ويشق النواة مع ما لها من الصلابة التي تستعصي بها على الحديد فينفلق نصفين وينبت منها منا يريده سبحانه وتعالى، ويفلق قشر الجوز واللوز ونوى الخوخ وغيره ما هو في غاية الصلابة كما نشاهده، ويخرج منه الشجرة بشق الأرض على ضعفه ولينه وصلابتها وبكونه على ظهرها حتى يصير أغلظ شيء واشده، وكذا الحب سواء، فالذي قدر على ذلك هو سبحانه وتعالى قادر على تكوين الموتى في بطن الأرض وإعادتهم على ما كانوا عليه كما يكون الجنين في البطن ويشق جميع منافذه على التحذير من السمع والبصر والفم وغير ذلك من غير أن يدخل إلى هناك بيكار ولا منشار، ثم يخرج من البطن، فكذا إخراج الموتى من غير فرق، كل عليه هين - سبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه. ولما كان الإنسان إذا رأى هذا عجب له ولم يدرك سببه لأنه أمر عظيم فظيع يبهر عقله ويضيق عنه ذرعه، عبر عنه بقوله :﴿وقال الإنسان﴾ أي هذا النوع الصادق بالقليل والكثير لما له من النسيان لما تأكد عنده من أمر البعث بما له من الأنس بنفسه والنظر في عطفه، على سبيل التعجب والدهش أو الحيرة، ويجوز أن يكون القائل الكافر كما يقول :﴿من بعثنا من مرقدنا﴾ [يس : ٥٢] فيقول له المؤمن :﴿هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون﴾ [يس : ٥٢] ﴿ما لها *﴾ أي أيّ شيء للأرض في هذا الأمر الذي لم يعهد مثله.
ولما طال الكلام وأريد التهويل، أبدل من " إذا " قوله معرفاً للإنسان ما سأل عنه :﴿يومئذ﴾ أي إذ كان ما ذكر من الزلزال وما لزم عنه ونصبه وكذا ما أبدل منه بقوله :﴿تحدث﴾ أي الأرض بلسان الحال بإخراج ما في بطنها من الموتى والكنوز وغيرها على وجه يعلم الإنسان به لم زلزلت ولم أخرجت، وأن الإنذار بذلك كان حقاً، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : تحدث بلسان المقال.
﴿أخبارها *﴾ أي التي زلزلت وأخرجت ما أخرجت لأجلها، وكل شيء عمل عليها شهادة منها على العاملين فتقول : عمل فلان كذا وكذا - تعدد حتى يود المجرم أنه يساق إلى النار لينقطع عنه تعداد ذلك الذي يلزم منه العار، وتشهد للمؤمن بما عمل حتى يسره ذلك، فيشهد للمؤذن كل ما امتد إليه صوته من رطب ويابس.
ولما كان من المقرر أنه لا يكون شيء إلا بإذنه تعالى، وكان قد بنى الأفعال لما لم يسم فاعله، فكان الجاهل ربما خفي عليه فاعل ذلك قال :﴿بأن﴾ أي تحدث بسبب أن ﴿ربك﴾ أى المحسن