وفى هذا اليوم تخرج الأرض أثقالها، أي ما حملت فى بطنها من أموات، فكأنها تلدهم من جديد، كما تلد الأم أبناءها، بعد أن يتم حملها، وتثقل به بطنها.. كما يقول سبحانه :« فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ » (١٨٩ : الأعراف)..
وقوله تعالى :« وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها » ؟ هو سؤال عجب ودهش، يسأله الإنسان نفسه بعد أن تلفظه الأرض من بطنها، وتلقى به على ظهرها.. إنه ينكر هذا الذي حدث.. لقد كان فى بطن الأرض، فماذا أخرجه منها ؟ وماذا يراد به ؟ وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا » ؟ (٥١ ـ ٥٢ يس).
وقوله تعالى :« يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها. بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها » ـ هو جواب الشرط « إذا » فى قوله تعالى :« إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها » أي فى هذا اليوم، يوم البعث والنشور، الذي تزلزل فيه الأرض ـ تحدث الأرض « أخبارها » أي تظهر الأرض أخبارها التي كانت مكنونة فى صدرها..
وفى التعبير عن إظهار أخبارها بالتحديث ـ إشارة إلى أن أحداثها التي يراها الناس يومئذ، هى أبلغ حديث، وأظهر بيان، فهو شواهد ناطقة بلسان الحال، أبلغ من لسان المقال.. وفى التعبير عن خبء الأرض، وما تخرجه من بطنها بلفظ الأخبار ـ إشارة أخرى إلى أن هذه الأسرار المضمرة التي كانت مخبوءة فى صدر الأرض، قد أعلنت وأصبحت أخبارا يعلمها الناس جميعا.. وهذا ما يشير إليه الرسول الكريم بقوله، وقد سئل صلوات اللّه وسلامه عليه عن معنى قوله تعالى :« يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ».. فقال :« أتدرون ما أخبارها » ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم. قال :« أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها.. تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا.. »
وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى :« يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها » أي تنشر أخبارها، وتظهر أسرارها، وتخرج خبأها..
«إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها، وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ».. فالضمير « ها » الذي يعود إلى الأرض فى « زلزالها » و« أثقالها » و« ما لها » و« أخبارها » يشير إلى أمور خاصة بالأرض فى هذا اليوم، يوم ينفخ فى الصور، للبعث والنشور.. فللأرض فى هذا اليوم زلزالها الذي ينتظرها، ولها أثقالها التي تخرجها، ولها هذا التساؤل الذي يتساءله الناس عنها، ولها حديثها الذي تحدثه للناس، وعن الناس، فى هذا اليوم الموعود.


الصفحة التالية
Icon