٢- لما ختمت السورة السابقة ببيان الجزاء على الخير والشر، وبّخ اللَّه تعالى الإنسان على جحوده نعم ربه، وإيثاره الحياة الدنيا على الآخرة، وترك استعداده للحساب في الآخرة بفعل الخير والعمل الصالح، وترك الشر والعصيان.
وقال الخطيب :" الزلزلة التي تزلزلها الأرض يوم البعث، وإخراج الأرض أثقالها وما فى جوفها من الموتى، وصدور الناس أشتاتا من القبور إلى موقف الحشر، والمواجهة هناك بين الكافرين والمؤمنين ـ كل هذا تمثله صورة واقعة فى الحياة، نجدها حين تقوم حالة حرب بين الناس، فتزلزل الأرض تحت أقدام الجيوش الزاحفة نحو ساحة القتال، بما يركبون من خيل، وما يحملون من عدد القتال، وهم يصدرون من بيوتهم فى سرعة الرياح العاصفة إلى لقاء العدو، لا يمسكهم شىء عن الانطلاق حتى يبلغوا ساحة الحرب..
قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا
هكذا يوم الحرب.. إنه من يوم القيامة قريب فى أهواله، وشدائده، وما يلقى الناس منه، من هول وشدة. ففى ميدان الحرب، حساب وجزاء، وربح وخسران، وهول وفزع، يشمل المحاربين جميعا.
فالحرب، وميدانها فى الدنيا، هى أقرب شىء يمثّل به المحشر، والحساب، والجزاء فى الآخرة..
ولهذا جاءت سورة العاديات تالية سورة الزلزلة، لهذه المشابه التي بينهما. " (١)
ما اشتملت عليه السورة :
* سورة العاديات مكية، وهي تتحدث عن خيل المجاهدين في سبيل الله، حين تغير على الأعداء، فيسمع لها عند عدوها بسرعة صوت شديد، وتقدح بحوافرها الحجارة فيتطأير منها النار، وتثير التراب والغبار
* وقد بدأت السورة الكريمة، بالقسم بخيل الغزاة - إظهارا لشرفها وفضلها عند الله - على أن الإنسان كفور لنعمة الله تعالى عليه، جحود لآلائه وفيوض نعمائه، وهو معلن لهذا الكفران والجحود، بلسان حاله ومقاله، كما تحدثت عن طبيعة الإنسان وحبه الشديد للمال
* وختمت السورة الكريمة ببيان أن مرجع الخلائق إلى الله للحساب والجزاء، ولا ينفع في الآخرة مال ولا جاه، وإنما ينفع الأيمان والعمل الصالح (٢)
وقال ابن عاشور :
(٢) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥١٥)