أما المقسم عليه فقوله : إن الإنسان لربه لكنود، وإنه على ذلك لشهيد، وإنه لحب الخير لشديد، وقد وصف اللّه الإنسان بثلاث صفات : الأولى كونه كنودا، أى :
مناعا للخير جحودا يجحد نعمة ربه، ولا يقوم بشكرها، وهذا إنما يكون من الإنسان الكفور أو العاصي، لقد صدق الحديث :« الكنود الّذى يمنع رفده، ويأكل وحده، ويضرب عبده »
الثانية كونه على أعماله شهيدا فأعماله شاهدة عليه فلا تحتاج لدليل، وهو لا يستطيع إنكار جحده لظهوره، على أنه إن أنكر بلسانه عناده فبينه وبين ضميره يشهد بأنه منكر جاحد لنعم ربه، وسيشهد على نفسه يوم القيامة، فهو إذا على أعماله شهيد، والثالثة : إنه لحب الخير لشديد، نعم، إن الإنسان لأجل حبه المال حبا جما بخيل به شحيح لا ينفق منه إلا بقدر بسيط، وهو حريص عليه، متناه في الحرص، ممسك مبالغ في الإمساك.
يحصل منه هذا ؟!
أفلا يعلم الإنسان أن ربه به بصير ؟ أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وأخرجت الناس من الدور، ثم أظهرت دفائن القلوب وأسرار الصدور : إن ربهم بهم يومئذ لخبير، وإنه سيجازى على النقير والقطمير. (١)
التفسير والبيان :
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً، فَالْمُورِياتِ قَدْحاً، فَالْمُغِيراتِ أي قسما بالخيل التي تجري وتعدو بفرسانها المجاهدين في سبيل اللَّه إلى العدو، ويسمع لها حينئذ صوت زفيرها الشديد وأنفاسها المتصاعدة، بسبب شدة الجري. وتخرج شرر النار بحوافرها أثناء الجري بسبب اصطكاك نعالها بالصخر أو الحجر وتغير أو تهجم على العدو وقت الصباح.
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً، فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً فهيجن في الصبح أو مكان معترك الخيول غبارا يملأ الجو، ثم توسطن بعدوهن جمعا من الأعداء، اجتمعوا في مكان، ففرّقنه أشتاتا.
وإنما أقسم اللَّه تعالى بالخيل لأن لها في الركض (العدو) من الخصال الحميدة ما ليس لسائر الدواب، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - « الْخَيْلُ فِى نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » (٢). ، ولأنها وسيلة الغزو عند العرب، ولا تكاد تخلو في الأغلب من الخطور ببالهم.
والمراد إعلاء شأنها في نفوس المؤمنين، ليعنوا بتربيتها، وليتدربوا عليها من أجل الجهاد في سبيل اللَّه، وليعتادوا على معالي الأمور، وظواهر الجد والعمل.
وفي هذا القسم ترغيب باقتناء الخيل لهذه الأغراض النبيلة، لا للسمعة والمفاخرة والرياء.
(٢) - صحيح البخارى(٢٨٤٩) وهو متواتر