والضبح : ما يخرج من صدور الخيل من أصوات وهى تعدو، أشبه بأنفاس الإنسان وهو يلهث أثناء الجري.. وسمى ضبحا حكاية لصوت الخيل الذي يشبه صوت هذا اللفظ عند النطق به « ضبح ».
والمقسم به هنا، هو الخيل، فى حال عدوها، حاملة فرسانها إلى ميدان القتال.. فهى تعدو ضابحة، وهى فى عدوها تورى نارا تنقدح من احتكاك حوافرها بالحجارة التي تعدو عليها..
وفى هذا ما يشير إلى أنها تسير تحت جنح الظلام بفرسانها حتى لا تراها عين العدوّ، وحتى لا ينذر بها هذا العدوّ، ويأخذ حذره من المفاجأة حين تطلع عليه على غير انتظار، ولهذا يظهر هذا الشرر الذي ينقدح من احتكاك حوافرها بالصوّان.. كما يقول الشاعر فى وصف سيوف الأبطال فى الحرب :
تقدّ السلوقىّ المضاعف نسجه وتوقد بالصّفاح نار الحباحب
فإذا بلغت الخيل المكان الذي تشرف به على عدوّها، أمسكت عن السير، حتى تهجم عليه وتبغته على حين غفلة منه، مع مطلع الصبح، قبل أن يدبّ دبيب الحياة فى الأحياء.
فهذه ثلاثة أقسام بالحيل فى مسيرتها نحو الحرب.. فأقسم بها سبحانه، وهى فى أول طريقها إلى القتال، ثم أقسم بها، وهى تكيد العدو، فتسير إليه ليلا، وتستخفى نهارا، ثم أقسم بها، وهى تلقى العدوّ بغتة مع أول النهار.
وفى هذا تعظيم لمسيرة هذه الخيل فى كل حال من أحوالها، وإنها لجدير بها أن تكون خيل المؤمنين، التي تسير هذه المسيرة المباركة للجهاد فى سبيل اللّه، وإن هذا التدبير لجدير أن يكون من تدبير المؤمنين فى لقاء العدوّ، فيلقون عدوّهم بالعدد، والعدد، وبالتدبير والمكيدة.
وبهذا يكتب لهم الغلب، ويتحقق لهم النصر.
قوله تعالى :« ضَبْحاً، وقَدْحاً، وصُبْحاً » منصوبة على الحال من العاديات.. بمعنى ضابحة، وقادحة، ومصبحة العدوّ..
قوله تعالى :« فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ».
هو إلفات إلى موقف الخيل، وقد دخلت ميدان القتال، إنها تثير فيه النقع، أي الغبار بحركاتها، وتنقّل فرسانها عليها، بين كرّ وفرّ، ومحاورة ومداورة، انتهازا للفرصة التي تمكّن من العدو، وتصيبه فى مقاتله.
والضمير فى « به » يعود إلى ميدان القتال المفهوم من مسيرة هذه الخيل العادية.. إنها الخيل تعدو إلى جهاد فى سبيل اللّه، وليست الخيل التي تعدو للصيد واللهو، ونحو هذا.


الصفحة التالية
Icon