١- يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَتَأْتُونَ أَفْواجاً أي إن يوم الفصل هو اليوم الذي ينفخ فيه إسرافيل بالبوق أو القرن، فتأتون أيها الخلائق من قبوركم إلى موضع العرض زمرا زمرا، وجماعات جماعات، تأتي فيه كل أمة مع رسولها، كما قال تعالى : يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الإسراء ١٧/ ٧١].
٢- وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً أي وتصدعت السماء وشقت، فصارت ذات أبواب كثيرة وطرقا ومسالك لنزول الملائكة، ونظير الآية كثير، مثل : إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق ٨٤/ ١]. إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار ٨٢/ ١]. وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ، وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا [الفرقان ٢٥/ ٢٥]. وهذا يعني تبدل نظام الكون، وذهاب التماسك بين أجزائه.
٣- وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً أي وأزيلت الجبال عن أماكنها، وبددت في الهواء، فكانت هباء منبثا، يظن الناظر أنها سراب، وتبدأ أولا بالدكّ كما قال تعالى : وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ، فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً [الحاقة ٦٩/ ١٤] ثم تصير كالعهن أو الصوف المنفوش كما قال : وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة ١٠١/ ٥] ثم تتقطع وتتبدد وتصير كالهباء، كما قال : إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا، وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا، فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا [الواقعة ٥٦/ ٤- ٦] ثم تنسف عن الأرض بالرياح، كما جاء في قوله تعالى : وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ : يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [طه ٢٠/ ١٠٥] وقوله : وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً، وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ [النمل ٢٧/ ٨٨] »
ثم ذكر اللّه تعالى ما يلاقيه المكذبون الضالون الأشقياء يومئذ بقوله : إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً، لِلطَّاغِينَ مَآباً، لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً أي إن نار جهنم كانت في حكم اللّه وقضائه مرصدة معدّة للطغاة المتجبرين المتكبرين وهم المردة العصاة المخالفون للرسل، ومرجعا ومصيرا ونزلا لهم، حالة كونهم ماكثين فيها ما دامت الدهور. والأحقاب جمع حقب ومفردها حقبة : وهي المدة الطويلة من الزمان، إذا مضى حقب دخل آخر، وهكذا إلى الأبد. والمرصاد : إما اسم للمكان الذي يرصد فيه، وإما صفة بمعنى أنها ترصد أعداء اللّه.
والآية دليل على أن جهنم كانت مخلوقة لأن قوله : مِرْصاداً أي معدّة، ومثلها الجنة أيضا إذ لا فرق بينهما.
لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً، جَزاءً وِفاقاً أي لا يذوقون في جهنم أو في الأحقاب بردا ينفعهم من حرها، ولا شرابا ينفعهم من عطشها إلا الحميم : وهو الماء الحار الشديد الغليان، والغساق : وهو صديد أهل النار، وهذا العذاب موافق الذنب العظيم الذي ارتكبوه نوعا ومقدارا، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار، وقد كانت أعمالهم سيئة، فجوزوا بمثلها، كما قال تعالى : وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى ٤٢/ ٤٠].


الصفحة التالية
Icon