* كما تحدثت عن نسف الجبال وتطايرها، حتى تصبح كالصوف المنبث المتطاير في الهواء، بعد أن كانت صلبة راسخة فوق الأرض، وقد قرنت بين الناس والجبال، تنبيها على تأثير تلك القارعة في الجبال، حتى صارت كالصوف المندوف، فكيف يكون حال البشر في ذلك اليوم العصيب ؟
*وختمت السورة الكريمة بذكر الموازين التي توزن بها أعمال الناس، وإنقسام الخلق إلى سعداء وأشقياء، حسب ثقل الموازين وخفتها، وسميت السورة الكريمة بالقارعة، لأنها تقرع القلوب والأسماع بهولها وشدائدها (١)
وقال ابن عاشور :
" ذُكر فيها إثبات وقوع البعث وما يسبق ذلك من الأهوال.
وإثباتُ الجزاء على الأعمال وأن أهل الأعمال الصالحة المعتبرة عند الله في نعيم، وأهل الأعمال السيئة التي لا وزن لها عند الله في قعر الجحيم." (٢)
في السورة إنذار بهول القيامة وبيان مصير المحسنين والمسيئين فيها، وأسلوبها عام وليس فيها إشارة إلى موقف معين، فهي من نوع سور الليل والشمس والأعلى وأخواتها. (٣)
القارعة : القيامة. كالطامة، والصاخة، والحاقة، والغاشية. والقارعة توحي بالقرع واللطم، فهي تقرع القلوب بهولها. والسورة كلها عن هذه القارعة. حقيقتها. وما يقع فيها. وما تنتهي إليه.. فهي تعرض مشهداً من مشاهد القيامة. والمشهد المعروض هنا مشهد هول تتناول آثاره الناس والجبال. فيبدو الناس في ظله صغاراً ضئالاً على كثرتهم : فهم ﴿ كالفراش المبثوث ﴾ مستطارون مستخفون في حيرة الفراش الذي يتهافت على الهلاك، وهو لا يملك لنفسه وجهة، ولا يعرف له هدفاً! وتبدو الجبال التي كانت ثابتة راسخة كالصوف المنفوش تتقاذفه الرياح وتعبث به حتى الأنسام! فمن تناسق التصوير أن تسمى القيامة بالقارعة، فيتسق الظل الذي يلقيه اللفظ، والجرس الذي تشترك فيه حروفه كلها، مع آثار القارعة في الناس والجبال سواء!
وتلقي إيحاءها للقلب والمشاعر، تمهيداً لما ينتهي إليه المشهد من حساب وجزاء! (٤)
- - - - - - - - - - -

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥١٧)
(٢) - التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (٣٠ / ٥٠٩)
(٣) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٢ / ١٨٢)
(٤) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٩٦٠)


الصفحة التالية
Icon