فَدَمَعَ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا، وَاسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي زِيَارَتِهَا فَأَذِنَ لِي، وَإِنِّي كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَلْيَزِدْكُمْ زِيَارَتُهَا خَيْرًا"
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أَقْبَلَتْ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْمَقَابِرِ فَقُلْتُ لَهَا : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ ؟ قَالَتْ : مِنْ قَبْرِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهَا : أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ، كَانَ قَدْ نَهَى، ثُمَّ أُمِرَ بِزِيَارَتِهَا "
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - : كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلا فَزُورُوهَا، فَإِنَّهَا تُرِقُّ الْقَلْبَ، وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ، وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ، وَلا تَقُولُوا هُجْرًا
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - : إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَزُورَ قَبْرًا فَلْيَزُرْهُ، فَإِنَّهُ يُرِقُّ الْقَلْبَ، وَيُدْمِعُ الْعَيْنَ، وَيُذَكِّرُ الآخِرَةَوعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - : زُرِ الْقُبُورَ تَذَكَّرْ بِهَا الآخِرَةَ، وَاغْسِلِ الْمَوْتَى فَإِنَّ مُعَالَجَةَ جَسَدِهِ مَوْعِظَةٌ بَلِيغَةٌ، وَصَلِّ عَلَى الْجَنَائِزِ لَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يُحْزِنَكَ، فَإِنَّ الْحَزِينَ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَتَعَرَّضُ كُلَّ خَيْرٍ " (١)
وهذا دليل على أنها تمنع إذا كانت مصحوبة بمنكرات، كالاختلاط والفتن والنواح.
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ أي ردعا وزجرا لكم عن هذا التكاثر المقيت الذي يؤدي إلى التقاطع والتدابر والأحقاد والضغائن، وإهمال العمل للآخرة، وخير الأمة، وتصحيح السلوك والأخلاق. وستعلمون عاقبة ذلك يوم القيامة. قال الزمخشري : كَلَّا ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي للناظر لنفسه أن تكون الدنيا جميع همه، ولا يهتم بدينه.
والجملة الثانية كررت للتأكيد والتغليظ والوعيد والزجر. كَلَّا، لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ أي ارتدعوا عن هذا اللهو بالدنيا، فإنكم لو تعلمون الأمر الذي أنتم صائرون إليه علما يقينا، لانشغلتم عن التكاثر والتفاخر، ولبادرتم إلى صالح الأعمال، ولما ألهاكم التباهي عن أمر الآخرة العظيم والإعداد لها. وجواب لَوْ محذوف، أي لو علمتم لما ألهاكم.
وهذا زيادة في الزجر واللوم عن الانهماك في الدنيا، والاغترار بمظاهر الحياة الفارغة الزائلة. وليس الكلام مجرد وعظ، وإنما الخطر الداهم يقتضي عمق التأمل والتفكر في مستقبل الآخرة، وذلك لا يتوافر عادة بغير إيمان قوي، وقلب واع سليم. وتكرار لفظ كَلَّا المفيدة للزجر، للدلالة على استحقاق ضرر آخر غير العذاب. وقال الحسن : كَلَّا بمعنى حقا كأنه قيل : حقا لو تعلمون علم اليقين.

(١) - المستدرك للحاكم(١٣٩١-١٣٩٥) صحيح


الصفحة التالية
Icon