والظاهر أن السؤال عن النعيم للعموم لأجل لام الجنس إلا أن سؤال الكافر للتوبيخ لأنه عصى وكفر، وسؤال المؤمن للتشريف، فإنه أطاع وشكر.
والظاهر أن هذا السؤال في موقف الحساب، وهو متقدم على مشاهدة جهنم، ومعنى ثُمَّ الترتيب في الأخبار، ثم أخبركم أنكم تسألون.
ومضات :
شغلكم التباهي بالكثرة في المال والولد ونحوهما، فيقول هذا : أنا أكثر منك مالاً، والآخر : أنا أكثر منك ولداً، وهكذا مما يصرف عن الجد في العمل، ويطفئ نور الاستعداد وصفاء الفطرة والعقل والكمالات المعنوية الباقية، ذهب بكم التفاخر والتباهي بهذه الأمور الفانية، من كثرة الأموال والأولاد، وشرف الآباء والأجداد كلَّ مذهب ﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ أي : حتى هلكتم ومتم وصرتم من أصحاب القبور، فأفنيتم عمركم في الأعمال السيئة وما تنبهتم طول حياتكم إلى ما هو سبب سعادتكم ونجاتكم. وزيارة القبور عبارة عن الموت.
روى الزمخشري شواهد لها : قال الشهاب : وفيها إشارة إلى تحقق البعث ؛ لأن الزائر لا بد من انصرافه عما زاره، ولذا قال بعض الأعراب لما سمعها : بعثوا وربِّ الكعبة ! وقال ابن عبد العزيز : لا بد لمن زار، أن يرجع إلى جنة أو نار. وسمى بعض البلغاء المقبرة دهليز الآخرة.
قال الإمام : وكني برؤية الجحيم عن ذوق العذاب فيها، وهي كناية شائعة في الكتاب العزيز :﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ أي : عن النعيم الذي ألهاكم التكاثر به والتفاخر في الدنيا ماذا عملتم فيه، ومن أين وصلتم إليه، وفيم أصبتموه، وماذا عملتم به ؟ ويدخل في ذلك ما أنعم عليهم من السمع والبصر وصحة البدن.
قال ابن عباس : النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار. قال : يسأل الله العباد فيم استعملوا وهوأعلم بذلك منهم. وهو قوله :﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ [ الإسراء : ٣٦ ]، قال ابن جرير : لم يخصص في خبره تعالى نوعاً من النعيم دون نوع، بل عمّ ؛ فهو سائلهم عن جميع النعيم، ولذا قال مجاهد : أي : عن كل شيء من لذة الدنيا. وقال قتادة : إن الله عزوجل سائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه. (١)
في آيات السورة :

(١) - محاسن التأويل تفسير القاسمي - (١٣ / ٣٠٤)


الصفحة التالية
Icon