وإلا الذين أوصى بعضهم بعضا بالصبر على فرائض اللَّه، وعن معاصي اللَّه، وعلى أقداره وبلاياه. والصبر يشمل احتمال الطاعات، واجتناب المنكرات، وتحمل المصائب والأقدار، وأذي الذي يأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر.
ومضات :
قال الإمام : كان من عادة العرب أن يجتمعوا وقت العصر ويتحادثوا ويتذاكروا في شؤونهم، وقد يكون في حديثهم مالا يليق أو ما يؤذي به بعضهم بعضاً. فيتوهم الناس أن الوقت مذموم. فأقسم الله به لينبهك إلى أن الزمان في نفسه ليس مما يذم ويسب، كما اعتاد الناس أن يقولوا : زمان مشؤوم، و : وقت نحس، و : دهر سوء، وما يشبه ذلك. بل هو عادّ للحسنات كما هو عادّ للسيئات، وهو ظرف لشؤون الله الجليلة من خلق ورزق وإعزاز وإذلال وخفض ورفع. فكيف يذم في ذاته، وإنما قد يُذم ما يقع فيه من الأفاعيل الممقوتة !
﴿ إِنَّ الْإِنْسَاْن لَفِي خُسْرٍ ﴾ أي : خسران، لخسارته رأس ماله الذي هو نور الفطرة والهداية الأصلية، بإيثار الحياة الدنيا واللذات الفانية والاحتجاب بها وبالدهر، وإضاعة الباقي في الفاني
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ أي : بالله وبما أنزل من الحق، إيماناً مُلك إرادتهم فلا يعملون إلا ما يوافق اعتقاداتهم، كما قال :﴿ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ قال القاشانيّ : أي : من الفضائل والخيرات، أي : اكتسبوها فربحوا زيادة النور الكمالي على النور الاستعدادي الذي هو رأس مالهم.
تنبيهات :
الأول : قال الإمام ابن القيم في "مفتاح دار السعادة " قال الشافعي رضي الله عنه : لو فكر الناس كلهم في هذه الصورة لكفتهم، وبيان ذلك أن المراتب أربعة وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله :
إحداها : معرفة الحق. الثانية : عمله به.
الثالثة : تعليمه من لا يحسنه. الرابعة : صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه.
فذكر تعالى المراتب الأربعة في هذه السورة. وأقسم سبحانه في هذه السورة بالعصر أن كل أحد في خسر، إلا الذين آمنوا، وهم الذين عرفوا الحق وصدقوا به، فهذه مرتبة. وعملوا الصالحات وهم الذين عملوا بما علموه من الحق فهذه أخرى. وتواصوا بالحق، وصى به بعضهم بعضا تعليما وإرشادا، فهذه مرتبة ثالثة. وتواصوا بالصبر، صبروا على الحق ووصى بعضهم بعضا بالصبر عليه والثبات. فهذه مرتبة رابعة.
وهذا نهاية الكمال. فإن الكمال أن يكون الشخص كاملاً في نفسه، مكملاً لغيره. وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية، فصلاح القوة العلمية بالإيمان. وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات، وتكميله غيره بتعليمه إياه وصبره عليه وتوصيته بالصبر على العلم والعمل. فهذه